سيناء .. التقسيم .. والخلافة
من الذي قرر أن يدخل بنا إلى الحالة الصفرية؟ ومن الذي يتعمد أن تظهر مصر وشعبها بهذه الصورة الضبابية المشوهة؟
من الذي يعبث.. ويعبث بمستقبل وطن مزق حُجب التخلف وعاش عزيزًا أبيًا ..حارب وانتصر ..دفع ثمن حريته دماءً وعرقًا .. شعب تنفس هذا الوطن عشقًا.. وطن امتلك إرادة الحياة .. وشعب انكسرت على عتبات إرادتة شوكة المستعمر.
لا أجد تفسيرًا منطقيًا لهذه الحالة التي يرغب أصحاب المصالح ومماليك القرن الحادي والعشرين أن يزجوا إليها هذا الوطن من أجل مصالح رخيصة؛ حتي لو كانت على جثث شعب بأكمله.
سيناء في خطر..سيناء يتم تجهيزها؛ لتكون "الموديل" الذي سيتم تطبيقه على مصر والعالم العربي بصورة شاملة ..سيناء كانت أرضًا خصبة لأجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، يستعيدون عليها أمجاد ضابط المخابرات البريطانية الذي أسقط الخلافة العثمانية "تي .إيه.لورانس " أو لورانس العرب.
مخطط التقسيم تجاوز فكرة المسلم والمسيحي والشيعي إلى ماهو أعمق أنه ضرب النواة وانشطارها.
ودراسات مراكز الأبحاث الأمريكية التي تسيرها المخابرات الأمريكية جاهزة للتطبيق.. يكفي أن نطلع على دراسات مراكز الدراسات التابعة للقوات المسلحة الألأمريكية .. ومراكز أبحاث البحرية الأمريكية، بالإضافة إلى مركزي "راند" و"هيريتيج".
وعلى سبيل المثال، رصدت الدراسة التى وضعتها مؤسسة (مجموعة الأزمات الدولية) وهي مؤسسة بحثية أمنية تمولها جهات صهيونية، وتابعة للمحافظين الجدد في أمريكا …الدراسة كانت تحت عنوان (مسألة سيناء)
وتحتوي على كثير من الألغام، وتوجه رصاصات واضحة لفكرة الدولة المصرية.
تقول الدراسة، إنه لطالما كانت سيناء (في أحسن الأحوال) منطقة شبه منفصلة، ولطالما كانت هويتها المصرية بعيدةً كل البعد عن كونها أمرًا ثابتًا تمامًا.
وتقول إن هناك أقلية هامة تنحدر من أصول فلسطينية، مع أن معظم أفرادها مولودون في مصر.
وتضيف الدراسة، أن بقية السكان يُطلق عليهم اسم البدو، وهم من قاطني شبه الجزيرة منذ زمنٍ بعيد، ويتمتع العنصر الفلسطيني بإحساس شديد بالهوية الفلسطينية، والارتباط بسكان غزة والضفة الغربية، أما البدو، ووفقًا للدراسة (ولم يعد فيهم إلا أقلية صغيرة من سكان الخيام الرحل)، فلديهم هويةٌ متميزة أيضًا، فهم شديدو الوعي بأصولهم التاريخية العائدة إلى شبه جزيرة العرب، وينتمون إلى قبائل لها فروعٌ كبيرة في كل من إسرائيل وفلسطين والأردن.
وهم ممن يتجهون شرقًا بطبيعتهم كالفلسطينيين وليس صوب بقية الدولة المصرية إلى الغرب منهم.
وليس للفلسطينيين والبدو نصيب من التراث الفرعوني المشترك بين سكان وادي النيل (مسلمين ومسيحيين)وهم لا يعيرونه اهتمامًا.
وتُركز هذه الدراسة بأسلوب وضع السم في العسل، على أن سيناء عبارة عن فسيفساء من التناقضات، وهي تسير على خطي المستشرق اليهودي برنارد لويس في كتابه المهم (فسيفساء الشرق الأوسط) فترى أن سيناء تحتوي على مجموعات غير متجانسة من البشر.. وتحاول الدراسة تأكيد غلبة العناصر غير المصرية في سيناء، فتقول إن الفلسطينيين يشكلون جزءًا كبيرًا من السكان، حيث تقول إنهم يمثلون ثلث سكان العريش.
أما النقطة الأكثر غرابة، فإنها تحاول التأكيد على وجود جالية بوسنية في العريش، واعتبارهم أنهم ينتمون لأسلافهم وإنهم يتمسكون بهويتهم البوسنية الأوروبية ضد العناصر المحلية.
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فإننا يجب ألا نتغافل عن مطلب إيهود باراك منذ فترة قصيرة من واشنطن بالضغط على مصر لتأديب قبائل يتهمها بتزويد غزة بالسلاح والوقود، بل وصل الأمر إلى المطالبة بترحيلهم - قسريًا - وهي قبائل (ارميلات - سواركة - ترابين - تياها - عزازمة - احيوات - وقبائل- الشلالفة- والقلاعية- والملالحة) ويزعم باراك، أن هذه القبائل على صلة بتنظيم القاعدة، وإنها بدوية فلسطينية، وتقوم بعمليات التهريب؛ ليحذر من أنه ما لم تتم السيطرة على القبائل السبع، فإن الأسلحة سوف تصل للضفة الغربية قريبًا.
إن التحرك الإسرائيلي – الأمريكي القادم في العالم العربي سوف يعتمد على الضرب في قلب نواة العالم العربي، وهو القبيلة والعشيرة، وسوف يتم البدء في تنفيذ أفكار زبيجينيو بريجينسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق بضروره إعادة العالم العربي إلى خريطة الدولة العثمانية فيما أسماه ( عثمنة العالم العربي ) .. وما يتم في ملف القبائل في باكستان واليمن ودارفور، ما هو إلا تمهيدٌ لتوسيع هذا التحرك الذي ستكون سيناء أهم ضحاياه ..فإلى متى الانتظار؟