رئيس التحرير
عصام كامل

خط نكبة الطفل


قلبى يعتصر ألما كلما رأيت أحدهم، لا ذنب لهم في حياة عنوانها البؤس والشقاء سوى أنهم فقدوا ذويهم لسبب أو لآخر، لن أتحدث عن أطفال الشوارع ولن أخوض في أسباب الظاهرة، التي طالما تغنى بها المسئولــون في المناسبات المختلفة.


أتحدث فقط عن ضمير غاب في مجتمع أصبحت اللامبالاة عنوانا له، مجتمع أصبحنا فيه عبيدا للمال، الذي جعلنا نفقد إنسانيتنا ولا نعبأ سوى بلقمة العيش، مجتمع غابت فيه معانى النخوة والشهامة والكرامة، وهزمت فيه الأثرة، الإيثار وجعلتنا نترحم على كل القيم والمبادئ الجميلة.

أتحدث عن خط "نكبة" الطفل المعروف مجازا بخط نجدة الطفل، الذي يعكس منظومات المجتمع، التي لا عمل حقيقى لها على أرض الواقع، وإنما دورها مجرد حبر على ورق لتبييض وجه المسئولين بإظهار إنجازاتهم الوهمية والإشادة بها، طمعا في مناصب أكبر أو لحسابات أخرى هم أدرى بها.

أحدثكم عن تجربتى مع القائمين على خط نجدة الطفل عندما اتصلت بهم اعتقادا منى أنهم عونٌ لهذه الفئة من المجتمع، التي لا حول لها ولا قوة، لأخبرهم عن إحدى المتسولات، التي خطفت طفلا، تخدره لتستغله في أعمال الشحاذة، لم أجد منهم سوى وعود بالتدخل الفورى لإنقاذ الطفل المسكين، ولأنى أتمتع بقدر من السذاجة لا تظهرها ملامحى، لكن يدركها من يعرفنى عن قرب، توهمت أنهم سيتدخلون بالفعل، واتصلت بهم مرارا وتكرارا، وفى كل مرة كانت تخبرنى إحدى الموظفات بأنهم يتخذون الإجراءات اللازمة، وكأنهم يعدون خطة الغزو الكبرى، وفى نهاية المطاف عندما ملوا مكالماتى، كان إغلاق الهاتف في وجهى هو الرد الأمثل على استغاثتى.

أين دور المجلس القومى للأمومة والطفولة من ظاهرة خطف الأطفال والتسول بهم في الشوارع، أين ضمير الموظفة المختصة بتلقى الشكاوى على خط نجدة الطفل عندما استنجدت بها فخذلتنى، ماذا اقترف هؤلاء الأطفال ليجدوا أبشع صنوف الذل والمهانة على يد عصابات الشحاذة على مرأى ومسمع من الجميع حتى بدا الأمر وكأنه شيء طبيعي، وماذا ننتظر منهم أن يقدموا لنا فيما بعد إذا كنا نرغب حقًا في إصلاح المجتمع.

ما دور الداخلية عندما أجد شرطيا في الشارع تجلس أمامه متسولة غير عابئة تكبل طفلا لتجنى من ورائه المال، وعندما أطالبه بالتدخل يخبرنى أنه غير مكلف بذلك.

الخلل يكمن فينا، في ضمائرنا لن أقول الغائبة بل الميتة، في مجتمع أصبح فيه فعل الخير من العجائب، في رحمة انتزعت من قلوبنا تحت وطأة الحياة وسباق مع الزمن.

رفقًا بصغار لا ذنب لهم ولا جريرة، رفقًا بقلوب أمهات تحترق كل لحظة حزنًا على فراق فلذات الأكباد.
الجريدة الرسمية