حسن الترابى.. مؤسس البروتستانتية الإسلامية 2
خط التجديد يمدّه حسن الترابى على استقامته حتى يصل به إلى التجديد فى" أصول الفقه" نفسها، والدعوة إلى بناء منهج أصولى جديد للاجتهاد، بعد أن صار من غير الممكن للمنهج القديم الاستجابة لبناء المجتمع المعاصر، وقد خالفه فى دعوته لتجديد أصول الفقه علماء معتبرون وقدموا نقدا علميا لمنهجه.
والمنهج الجديد،الذى يتصوره الترابى، متجاوز لكل التراث الإسلامى، ولا يحتاج،فى رأيه، إلى أن نطلب له شاهدا من التاريخ أو سابقا من السلف، فالتراث الدينى عند الترابى فيما بعد التنزيل، أى القرآن والسنة، كله من كسب المسلمين، ولا بد أن يتطور مع الأزمان تبعا لاختلاف البيئات الثقافية والاجتماعية والمادية.
وتتجاوز آراء الترابى فى قضية السنة النبوية فى كثير من جوانبها، التصور الأصولى السلفى المعاصر لها، فهو لا يعترف مثلا بخبر الآحاد، كحجة فى الأحكام، ويفرق بين الملزِم وغير الملزِم من أوامر النبى «صلى الله عليه وسلم» ونواهيه، ولا يعطيها كلها حد الإلزام، ويفرق أيضا بين ما ورد عن النبى كرسول ومشرّع، وبين ما ورد عنه كبشر لا يلزمنا فى شىء، ويطالب بإعادة النظر جملة فى علوم الحديث، ويدعو إلى إعادة صياغتها مرة أخرى بعد تنقيح مناهج الجرح والتعديل ومعايير التصحيح والتضعيف.
ومن ضمن ما يقترحه فى هذا الصدد: "إعادة تعريف مفهوم الصحابة، وعدم الاعتراف بقاعدة أساسية عند المحدثين تنص على أن "جميع الصحابة عدول"، وهو ما أثار عليه ثائرة السلفيين حتى اعتبره بعضهم من منكرى السنة النبوية، بل ووضع أحد قيادات الإخوان بالسودان كتابا خاصا أسماه: «الصارم المسلول فى الرد على الترابى شاتم الرسول».
كان الترابى أول من طرح، من بين الإسلاميين، فكرة إعادة صياغة الإسلام وتكييفه بحسب العادات والأعراف والسمات الخاصة بكل شعب، بحيث يصبح الإسلام نُسخا متباينة بحسب طبيعة هذه الشعوب مع الاحتفاظ بالقاسم المشترك الذى يوحّد بين هذه النسخ، فنصبح إزاء إسلام سودانى وآخر مصرى وثالث أوروبى.. وهكذا.
وللترابى جملة من الآراء الفكرية والفتاوى الفقهية تجعله فى نظر البعض أقرب للفكر العلمانى منه إلى الفكر الأصولى السلفى، الذى دائما ما يُنسب إليه، فهو فى قضايا المرأة يتبنى خطابا أقرب إلى حركات تحرير المرأة والحركات النسوية المعاصرة فى الغرب منه إلى الخطاب الإسلامى أو حتى الشرقى، حتى يصل فيه إلى التأكيد على المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة حتى فى أصل الخلقة.
ويدعو إلى حرية المرأة فى العمل والملبس، حيث يعتبر الحجاب خاصا بنساء النبى، والاختلاط.. وكان تنظيمه "الجبهة الإسلامية" أول تنظيم إسلامى يقبل الاختلاط حتى داخل بنيته التنظيمية.
كما كان الترابى من أسبق الإسلاميين إلى إعلان رفض حد الردة، بل ورفض أى عقوبة قانونية على من بدّل دينه، واعتبر أن ذلك يدخل فى باب حرية الفكر والاعتقاد.
والترابى المفكر.. منطلق ومتحرر من كل قيد أو زمام؛ وهو ما جعله مثار صدمة وقلق دائم للجميع، خاصة الإسلاميين الذين كانت معظم خصوماته ومعاركه الفكرية معهم، فطالته لائحة الاتهامات الشائعة «الماسونية، والإلحاد، وإنكار السنة، وإفساد النساء، والتحلل الأخلاقى»، حتى أن جماعة الإخوان المسلمين بالسودان، التى كان قائدا لها يوما ما، أصدرت بيانا نشر سنة 1988 تؤكد فيه أن الخلاف بين الإخوان والترابى خلاف فى الأصول، ووصفه أحد الكتاب السلفيين بأنه يكرر ما فعله مارتن لوثر مع الكنيسة الكاثوليكية، ويؤسس لما أسماه بـــــ "البروتستانتية الإسلامية"!.
من كتابى "ضد الإسلام"..الطبعة الثانية.