القناة و«اللي اختشوا ماتوا» فعلا يا دكتور حازم!
في جامعة أسيوط وقبل ربع قرن تقريبا وفور الالتحاق بقسم العلوم السياسية بكلية التجارة كان طبيعيا أن نتعرف على رئيس القسم.. كان وقتها أحد كبار أساتذة علم السياسية في مصر إلا أن سفره الدائم للتدريس في جامعات عربيه جعله معروفا أكثر خارجها وخصوصا أنه كان ضيفًا على صفحات الرأي في العديد من الصحف !
كان هو الدكتور "عبدالله هدية"، أستاذ السياسة المحترم الذي ورغم سخريته من كل شيء وأي شيء خصوصا الأوضاع السياسية وقتها فإنه ينقلب إلى الجدية تماما عندما يتحدث عن شخص واحد هو الدكتور سمير أمين.. فقد كان يتحدث عنه بفخر وباعتزاز كبيرين وكان لا يصفه إلا بالمفكر الكبير والذي يشرف مصر في جامعات فرنسا وفي العالم كله..
بعدها بدأنا نعرف سمير أمين ونقترب من فكره حتى لو كنا آمنا بخيارات اقتصادية أخرى.. كانت مؤلفات الرجل تملأ الدنيا بالفعل حتى انك تجد كتابه "دراسات في التيارات النقدية والمالية في مصر" صدر عام 57، ومن المؤكد أن الدكتور هدية كان وقتها طفلا أو صبيا على الأكثر وهو أيضا مؤلف الكتاب المهم "ما بعد الرأسمالية" وكان قبل الأزمات الأخيرة في الغرب فعلا في حين نجد كتابه "التطور اللامتكافئ" قد ترجمه الدكتور برهان غليون عام 74 !
بينما حمل المترجم -الدكتور غليون- السنوات الماضية لقب المفكر العربي الكبير !
نترك المفكر الكبير الدكتور سمير أمين قليلا وأغلب أعماله مترجمة حيث يكتبها بالفرنسية وكلها موجودة في مكتبات العالم وقد استفادت دول كبيرة منها وقد تكون على رأسها الصين.. ودعونا نعرض ما كتبه أستاذ علوم سياسية آخر يعمل بجامعة القاهرة اسمه حازم حسني.. وللأمانة -وليس عيبا في حقه- فلم نعرفه ولا أي إسهامات له ولم نسمع عنه إلا عندما التف حوله البعض ويروجون لما يكتبه.. وبالأمس وبينما تفشل محاولة في مصر لاغتيال عالم جليل وبينما نستعد للاحتفال الثنائي بذكرى تأميم القناة القديمة وافتتاح الجديدة يكتب حسني ما يلي حرفيًا وبعنوان "إذا بليتم بالفشل فاستتروا" ويقول:
"ساعات وتنطلق الاحتفالات بعيد ميلاد تفريعة القناة التي تقف شاهدة على ارتجالية النظام وغياب الرؤية وفساد الحسابات وأعجب من أن ثمة أنظمة سياسية في عصرنا هذا لديها جرأة الاحتفال بمثل هذه الإخفاقات ! أنتظر بشوق سماع الكلمات التي ينطبق على أصحابها - مقدمًا - المثل القائل بإن اللى اختشوا ماتوا ! على أي حال فهى أقل من ساعتين وتنطلق الاحتفالات بالأوليمبياد، ولا أعتقد أن المصريين سيتركون أخبار الأوليمبياد لمتابعة هذه الاحتفالات الهزلية بإنجازات السيد الرئيس التي تزيد مالية الدولة المنهكة إنهاكًا فوق إنهاك في دولة صارت مصابة بالحول وهى تقرأ الخرائط وتضع الرؤى والتصورات... ولله الأمر من قبل ومن بعد ! " !
انتهى كلام حسني لنكتشف بخلاف عدم انصراف المصريين بالاحتفالات رغم محاولات إشغالهم بقصة العلم السعودي وغيرها من الأحداث بل كان الاهتمام بافتتاحات ومشاريع القناة يفوق أي وصف شعبيا وإلكترونيا وبكل الوسائل إنما الاكتشاف الأهم أن مفكرنا الكبير سمير أمين احتفل بالافتتاح العام الماضي من فرنسا مع المصريين على طريقته وقبل أن يرى الإسماعيلية الجديدة ولا الأنفاق العملاقة وقبل أن يعرف زيادة الإيرادات.. إذ كتب حرفيا ما يلي:
"سيكون يوم 6 أغسطس هو يوم افتتاح القناة الموازية لقناة السويس الحالية وبذلك أثبتت مصر قدرتها على إنجاز مشروع عملاق وذلك من خلال تعبئة قدراتها الذاتية دون اللجوء إلى "المعونة الأجنبية" بصفة أساسية مثل الصين (وسوف أعود للمقارنة) فعندما أعلنت الحكومة المصرية قرارها بتنفيذ مشروع ذهب الإعلام الدولى يزعم استحالة إنجازه دون "معونة دولية حاسمة" لجمع التمويل المهول المطلوب ثم عرض المشروع بمناقصة دولية، بحيث أن توفر شركات أجنبية كبرى المؤهلات الفنية لتصميم المشروع وإدارة تنفيذه، ولكن مصر استطاعت أن تجمع التمويل المهول المطلوب في لحظة من خلال تعبئة المدخرات المصرية فقط وبعد أن رفضت عرض دولة قطر بتوفير التمويل ثم تمت تعبئة الجيش المصرى الذي أنجز المشروع بالكامل تصميمه وإدارة تنفيذه..
فالشركات الأجنبية التي شاركت في العمل بتوفير المعدات اللازمة (الجرارات والونشات والجرافات) قد وضعت في مقام العامل من الباطن لصالح مشروع مصرى، وذلك على عكس مقولات المنهج الاقتصادى السائد الذي يتصور فقط إدارة أجنبية واستخدام القدرات المصرية بصفتها العاملة من الباطن! ثم يضيف المفكر الكبير:
"يضاف إلى ذلك أن المشروع تم تنفيذه في سنة واحدة فقط بينما كان الإعلام الدولى يقول إنه سوف يستغرق 5 سنوات على الأقل! سوف يقال مرة أخرى إن هذا الإنجاز مشروع فرعونى نعم ولماذا لا ؟ إن مصر -وعدد سكانها 90 مليون نسمة- في حاجة إلى مشروعات عملاقة "فرعونية" مثل هذا المشروع وغيره مثل فتح وادٍ جديد يجرى من السد العالى إلى أراضى قطارة المنخفضة (الواقعة غرب الإسكندرية) واستغلال مواردها من الغاز وإصلاح مليون فدان إضافية للزراعة، لقد أثبتت مصر أنها قادرة على إنجاز مثل هذه المشروعات بتعبئة قواها الذاتية"!
مقال المفكر الكبير سمير أمين جميل ويستحق القراءة كاملا ولكن نكتفي بالسطور السابقة منه وبعيدًا عن إمكانية الاستفادة من الرجل في مصر أطال الله عمره إلا أنه يتضح جدًا اختلاف الألفاظ والمصطلحات والتأدب فيها.. بين من يحترم شعبه وإنجازاته وطموحاته وأحلامه بل حتى مدخراته وبين من افتقد ذلك كله... ليمكننا القول للدكتور حسني "اللي اختشوا ماتوا" فعلا !