رئيس التحرير
عصام كامل

حيث صار الغذاء فعلا فاضحا


( مشهد وحيد كاف جدا.. نهار خارجى في أحد شوارع المحروسة ).. البطلة سيدة مسنة يبدو عليها ملامح القهر والبؤس وكثيرًا من الحياء وبائع لحوم مجمدة في محل متواضع. 


والنبى يا ابنى نص كيلو لحم برازيلى.
حاضر يا حاجة 
بكام يا ابنى
27 جنيه بس
27 جنيه في نص كيلو... طيب مرة تانية بقى، بلاش النهاردة ونقضيها بأى حاجة بس العيال تصبر عليا شوية !

هذا ليس مشهدا سينمائيا مطلقا ولم يبدعه لنا أحد عباقرة الواقعية السحرية في السينما المصرية من أمثال محمد خان أو عاطف الطيب أو صلاح أبو سيف، رحمهم الله جميعا.. هذا المشهد من إنتاج وإخراج كل مسئول كبير يجلس على مقعد وثير لا يتأثر بمن يفقرهم وبمن يعيشون كالأموات من الفقر والظلم وسوء إدارته موارد ومقدرات وطن غنى بموارده فقير بمن يديرها.

المرأة المسكينة التي رأيتها تمشى وهم تمتم وتحدث نفسها وتستحى من عجزها وفقرها عن شراء نصف كيلو لحم مستورد بلغ 54 جنيها هذا الأسبوع لم تقم بفعل فاضح.. لم تقم حفلة راقصة عارية في أحد منتجعات الأثرياء الذين تدللهم الحكومة وتحميهم من نقصان ثرواتهم ولو بمقدار ضئيل، لم تتاجر في العملة وتكتنز الدولار وتساعدها وتشجعها وتدعمها الحكومة بقرارات فاشلة على مزيد من الثراء الحرام.

لم تنتج لنا أبطالا من ورق من أمثال الأسطورة ليعيث في الأرض فسادا ويستثير حنق وغل الفقراء بسياراته الفارهة التي يطعم ثمنها ملايين من أمثالها من الشرفاء المفقورين عن عمد أو عن غباء لكن يبدو للأسف أن طلب الغذاء والحق في الحصول عليه صار فعلا فاضحا في ظل هذه الظروف التي لا يقدرها جميع من يتحكم في حياة المصريين، وحتى يكون الكلام واضحا، الجميع من المسئولين مقصرون، لا أستثنى من ذلك أحدا، بداية من رئيس الوزراء ومرورا بالوزراء والمحافظين وكل مسئول لا يشعر بمن حوله، لا يشعر بشعب على حافة الجوع.. ومع ذلك لا يرون حلولا واقعية له سوى بالإفقار المتجدد وتحميلهم فشل إدارة الاقتصاد شريان حياة الدول وشعوبها.

نجوع ما نجوع المهم نبقى كده !
يبدو أن كلمة الرئيس وتبشيره بالجوع قد بدأت في التحقق ولكنه للأسف لم يحدد لنا حدود هذا الجوع ونهايته وكيفية محاربته، بل الأهم من ذلك هو أسباب حدوثه في ظل وجود طبقات تعانى من تخمة من الشبع في كل شىء، شبع في الفساد وشبع في الطعام والشراب والبذخ والتفاهة بل الابتذال والرقص في حفلات الساحل الشمالى ومنتجعات الأغنياء التي انتقلت لمدن جديدة لا يقترب من مجمعاتها سواهم حماية لأنفسهم من الفقراء الرعاع الأوباش الجائعين الذين يمثلون خطرا يهددهم !

لم يحدد لنا الرئيس أسباب الجوع ومن سيطاله الجوع.. هل سيطال الجميع.. الجميع بمعنى الكلمة أم الأكثرية التي لا حول لها ولا قوة والتي تم حجب صوت لها بفعل أسباب كثيرة، لكن الجميع لا يدرك أن هذا الصوت المكبوت المحجوب يمكن أن ينفجر جنونا في وقت غير معلوم ودون ترتيب مسبق، ولا يدرك المستفزون من أمثال الأسطورة وغيره من أغنياء عصر رديء أن الكمبوند الراقى المحمى بسكيورتى خاص وكام بواب لن يصمد أمام طغيان الجوع وفيضان البؤس واليأس.

أفيقوا أيها السادة وجنبوا مصر أفعالا فاضحة وفاجرة لن تبقى ولن تذر، أفيقوا فنحن لسنا بحاجة لكل هذا ونخشى على ضياع الجميع من انفجار للأوضاع تسهم فيه وبشدة مفاوضات عاجزة فاشلة منبطحة لشروط أعداء مصر الحقيقيين من تجار صندوق الخراب المسمى بصندوق النقد والبنك الدوليين الذين سيجعلون الحياة مستحيلة وسيخلقون أفعالا فاضحة حقيقية لن نقدر عليها جميعا سواء كنا حكاما أو محكومين !
fotuheng@gmail.com

الجريدة الرسمية