الخطر الحقيقي
في السنوات الأخيرة لم يعد المواطن المصرى يشعر بالأمان الذي كان يشعر به من قبل مهما ضاقت به الظروف وتقلبت عليه الأحوال حتى أوقات الحروب والكوارث.. فتحت التلفاز وجلست أسمع وأشاهد ما يعرض من أخبار فوجدتها كلها تحمل جرعة ولو صغيرة من الخوف.. الخوف من الآخر.. خوف من ضيق الحال.. خوف من المجهول وخوف من المستقبل.
تردد على مسامعى كلمة الإرهاب كثيرًا ربما كانوا يقصدون به محاولات التخويف باستخدام العنف وحاولت تحديد حجم ما سفك من دماء من مدنيين وعسكريين في خمس سنوات ونصف السنة منذ يناير 2011 فوجدته يناهز الخمسة آلاف قتيل أكثر من نصفها بعد يونيو 2013، وحتى لو اعتبرنا الضحايا من رجال الشرطة وليسوا مدنيين كما ينص الدستور تبقى نسبة الضحايا من المدنيين أكثر بكثير بعكس ما قد يتــوارد لخاطر المرء وهو يستمع إلى الأنباء.
وسألت نفسى لماذا يتم تضخيم أثر سقوط ضحايا العنف السياسي، بينما لا يصل عددهم في أكثر من خمس سنوات إلى ثلث ضحايا حوادث السير على الطرق المصرية في عام واحد ! وقد نتصور هول الفاجعة إذا علمنا أنه في أقل التقديرات، فإن مصر قد فقدت أكثر من ربع مليون من أبنائها على الطرق في الثلاثين عاما الأخيرة بالإضافة إلى مئات الآلاف ممن أصيبوا بإعاقة دائمة في تلك الحوادث دون أن يهتم أحد !
ظللت أفكر في الخطر الحقيقى الذي يتهدد مصر هل هي المشكلة الاقتصادية ؟ فوجدت أن أسبابها معروفة وهى قلة الإنتاج وزيادة السكان والاستهلاك.. ضآلة الصادرات أمام تعاظم الواردات وحلها معروف يتركز في العمل والإنتاج رغم اتجاه الحكومة إلى الاهتمام بأشياء أخرى.. نظرت حولى فوجدت الحكومة تهتم بالرصف والبناء أكثر من اهتمامها بالعمل والإنتاج أو الصحة أو التعليم.
وجدت البرلمان يختار الموافقة على برنامج للحكومة ليس فيه خطة حقيقية لها أهداف موضوعية ذات جدول زمنى واعتمادات مالية ! وجدت البرلمان يوافق على قروض استهلاكية لا توجه لمشروعات مضمونة العائد لضمان سدادها، وجدت البرلمان يمنع اطلاع الشعب على ما يدور فيه ويفصل أعضاءه للخلاف في الرأي ويوافق على إمكانية قيام السلطة التنفيذية بعزل من يرقبها ماليًا رغم أن الدستور ينص على استقلاله وحصانته.
وجدت البرلمان يضرب مثالا سيئا بمنع نشر أو رقابة مخصصاته وقوائمه المالية.. نظرت إلى النقابات فرأيت نفس الوضع... سعى للسيطرة واستخدام سياسي في الصدام والمعارضة ولو على حساب حقوق الأعضاء.. لماذا نخطئ الاختيار دائمًا ؟
الحقيقة لأننا لم نتعلم أن نختار.. عشنا سنوات طويلة دون اهتمام بالشأن العام بسبب اليأس الذي نتج عن الممارسات الشمولية والتزوير والوساطة والمحسوبية والأهم من ذلك غياب التعليم الحقيقى والإعلام المحايد الذي يصنع الثقافة والوعى.
وجدتنا في حلقة مفرغة من سوء الاختيارات التي تؤدى إلى اختيارات سيئة تأخذنا من سيئ إلى أسوأ.. نعم لن تنكسر هذه الحلقة المفرغة سوى بإعداد أجيال جديدة متعلمة تعليم حقيقى يمس الوجدان ويرتقى بالأرواح أجيال مثقفة قادرة على الاختيار من أجل المصلحة العامة وليس المصالح الشخصية الضيقة أو الحب والكراهية.. نعم لن يكون هناك أي أمل إلا بتعليم حقيقى يعلم الانضباط وروح الفريق ويمنح القدرة على التقييم والاختيار، هذا هو الخطر الحقيقى الذي نواجهه، إهمال الأسباب الحقيقية والاهتمام بالمصالح السياسية والدعائية.