رئيس التحرير
عصام كامل

من حمار عم حسن إلى وزير الكهرباء


تصبب عم حسن عرقًا وهو واقف بلا حراك أمام محصل الكهرباء الذي يطالبه بفاتورة تقدر بألفين وخمسمائة جنيه وعليه إما الدفع أو رفع العداد، وبعد أن أفاق من الصدمة وحلت عقدة لسانه الذي تقوقع داخل حنجرته وأصيب بالشلل من فعل الصدمة قال بصوت يائس: «يا بيه ليه كل الفلوس دي هو أنا فاتح مصنع، دول هما لنضتين واحدة في الأوضة اللي بنام فيها والتانية لا مؤاخذة في الزريبة وحتة تليفزيون وحتة تلاجة»، فحدجه المحصل بنظرة نارية وأطلق الرصاصة الأخيرة: «مش شغلي أنا شغلي أحصل عايز تشتكي روح أشتكي»، وهنا أطلق حمار عم حسن نهيقه فامتزج بصوت المحصل، فانعقد لسان الفلاح للمرة الثانية وهو ينظر للمحصل نظرة عميقة وأطلق ضحكة خبيثة وقال له: حتى الحمار مش عاجبه الكلام.


إن أسوأ مكان للعيش في مصر هو الريف، حين يتعالى الموظف الحكومي -موظفو المحليات أو محصل الكهرباء أو العاملون بالإصلاح الزراعي- على الفلاح وإن عبره بنظرة، فهي نظرة العالم ببواطن الأمور لطفل أغر، مع إحساس دفين لدى القرويين بأن الحكومة هي الأم والأب ومن يخرج عن طوعها سيرى العذاب المهين، إحساس تم تغذيته بعقود من القهر والكبت مارسته سلطات عديدة في أنظمة مختلفة على فلاحي مصر.

فانعدام الخدمات في الريف أمر واقع لا محالة يعيش مراره الفلاح يوميًا رغم الصورة الوردية التي يتم تصديرها للقيادة العليا أن الفلاح يسبح بحمدها ويرفل في خير لم يره منذ عصور الاستعباد والإقطاع وأن زمن الرئيس السيسي هو تجسيد حي يمشي على قدمين لأغنية عبد الوهاب «محلاها عيشة الفلاح.. مطمن قلبه ومرتاح» وهو أمر يشبه قصة السائح الذي نزل بفندق مصري وحين اشتكى السائح من انعدام المياه الساخنة فقال موظف الاستقبال: لا يا أفندم أنا متأكد أن المياه الساخنة موجودة، فما كان رد السائح سوى التهكم منه فقال: «إذا أنت الذي استحممت وليس أنا»، فنحن نسمع من الجميع عن أحوال فلاحي مصر إلا من فلاحي مصر أنفسهم، وإن تحدثوا قالوا لك عن المعاملة المهينة عند طلب خدمات يشحذها ويستجديها من المسئولين وهي في الأصل حقه يبحث عنه كي يعيش حياة آدمية.
.....
عم حسن هو فلاح مصري يقطن بعزبة من العزب التابعة لمدينة قليوب جاءت فاتورة الكهرباء عن شهر يوليو له ألفين وخمسمائة جنيه وكما يقول في شكواه إنه يدفع شهريًا ما لا يقل عن خمسين أو ستين جنيهًا فليس عليه متأخرات، والأدهى أن بيوت العزبة البالغة 64 بيتًا كانت مثله بل أسوأ، فهناك من جاءت له الفاتورة بمبلغ سبعة آلاف جنيه ورفض المحصل إعطاء الكعب بالمبلغ لهم وحين ثاروا جميعا وذهبوا لمكتب الكهرباء بقليوب قام بتقسيط المبالغ لهم وتخفيضها دون أن يدروا على أي سند جاءت هذه الأرقام العجيبة، وعلى أي سند جاء التخفيض والتقسيط.. فهل تحقق وزارة الكهرباء في الأمر وترحم البسطاء من تجبر موظفي تحصيل الكهرباء والكشافين، فيكفيهم ما يعانونه من المحليات ومراكز الخدمات الحكومية والوحدات الصحية.. أم ستتغاضى الوزارة عن الأمر، وودن من طين والتانية من عجين وتثبت بالدليل أننا نعيش في.. شبه دولة.
الجريدة الرسمية