رئيس التحرير
عصام كامل

وداعا ابن النيل العبقري الذي تآمروا عليه!


من اغتال عالم الذرة المصري الدكتور يحيي المشد، ومن قبله عالمة الذرة الدكتورة سميرة موسى ومن بعده عالم الفيزياء الدكتور السيد سيد بدير، وعالم الجغرافيا والإستراتيجية الدكتور جمال حمدان، وغيرهم، هو نفسه من طور أدواته ولم يعد في حاجه للاغتيال الحقيقي المباشر إن كان يمكنه أن يحقق أهدافه بالاغتيال الاعتباري.. ليحقق مع العبقري الراحل أحمد زويل وبتخطيط محكم هدفين أساسيين أولهما ألا تستفيد منه مصر شيئا، والثاني تشويه صورته في وطنه الأصلي ليس لإحباط الناس فحسب وإنما لاحباط الرجل نفسه !


الفساد والبيروقراطية وراء عدم تحقيق زويل أحلامه في مصر، وهذا يعني أنه كانت للرجل أحلام في مصر..ادخلوه ـ وبعيدا عن أي تفاصيل حيث إن التفاصيل ذاتها جزء من التآمر على الرجل ـ وهو وفي لحظات عديدة العالم الأبرز على كوكب الأرض في مشكلات وإجراءات ومعارك وروتين حقق في الأخير الهدف منه كله، وهو "ألا تستفيد مصر من زويل"..ولم يتوقف الأمر عند ذلك..بل اتهموه أنه لم يقدم لبلده شيئا رغم أنه كان تقريبا يزور بلده دوريا حتى ظن الكثيرون أنه نقل أقامته إليها !

فضلا عن أن الاتهام غير واقعي، فالاستفادة ممن مثله تتطلب بنية علمية وبحثية كبيرة غير متوفرة حتى اللحظة! واتهموه أنه أمريكي الهوي رغم أنه وضع نفسه تحت أمر وطنه وشعبه، وظل محافظا على تقاليده الأصيلة لم يتخل عنها أو يتخاصم معها يوما ما..واتهموه أنه مستشار للرئيس الأمريكي رغم أن الكل يعرف أن الرئيس الأمريكي كان في حاجة إليه وليس العكس ليس فقط كعالم كبير، إنما لتبييض سمعة الإدارة الأمريكية المجرمة تجاه العرب..والعجيب أن الكثيرينن انخرطوا في حملة الهجوم عليه بغير وعي، حتى أن رئيس أكاديمية البحث العلمي وهو ينعيه بالأمس يقدم له الاعتذار كأنه يشعر بما جري للرجل!!

لم يحلم زويل بدفع حركة البحث العلمي في مصر إلى الأمام فقط..حيث قبل أي دعوة لتحقيق الهدف نفسه في كل دولة عربية دعته إليها لتكريمه أو للاستفادة منه، وقد كان في قمة مجده حقق للبشرية ما يضعه في مكان بارز في التاريخ، ويجعل مستقبله خلفه لا يحتاج من أحد شيئا، ولم يتوقف عن الدعوة للعمل الجماعي وروح الفريق، وراح كل حين يضرب المثل بنفسه، ليمنح الأمل للأجيال الجديدة، وكيف تلقى في مصر في الخمسينيات والستينيات تعليما جيدا، وكان فخره لا يتوقف في لقاءات تليفزيونية عديدة بالرسالة التي أرسلها له الزعيم جمال عبد الناصر ردا على رسالة منه، وكان أول من توقع له التفوق ورفع اسم مصر عاليا، ومع ذلك لم يتورط مرة في إهانة أي رئيس آخر..محتفظا للنهاية بالأدب الجم !

وفي أزمات مصر الكبيرة كنا نجده.. لم يتخلف في واحدة منها يبحث عن دور في لم الشمل ولملمة الجهود، مترفعا عن أي مغنم، زاهدا عن أي منصب، مؤكدا صراحة وتلميحا أنه لا يفكر في السياسة ولن يعمل بها تحت أي ظرف..

وداعا أحمد زويل..المتواضع النبيل..الذي لم يفقد ابتسامته حتى في أشد مراحل المرض ألما وخطورة..وداعا ابن النيل العظيم الذي انتمي لهذه الأرض حتى اختار بالإرادة الحرة أن يدفن في ترابها.. ليودعه ويزوره من أحبوه حقيقة..لشخصه ولعلمه معا.. وليحسم الجدل وهو بين يدي ربه عن هويته وعن هواه!

الجريدة الرسمية