صياد ينقذ سمكة «يتيمة» من «الغرق»!
العنوان متصدر المقال، من الممكن أن تجده عنوانًا لخبر منتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، ويشاركه بعض مستخدمي «فيس بوك، وتويتر»؛ دون أن يكلف أحدهم نفسه عناء البحث عن مصدر الخبر، أو مدى صدقيته ومنطقية المعلومات الواردة فيه.
المعلوم بالضرورة أن «اليتيم» هو«الإنسان» الذي فقد أباه قبل سن الحُلم، فإذا بلغ الحلم، زال عنه اللقب.. واليتيم من «الحيوانات»، هو الذي فقد أمه.. أما «الأسماك» فلا علاقة لها من قريب أو بعيد بـ«اليُتم»، كما أنها لا يمكن أن «تغرق»؛ لأن «المياه» هي البيئة التي تعيش فيها.
المؤسف، أنك تجد بعض الصحفيين والإعلاميين يكتبون أخبارًا وتقارير دون تدقيق، وبعيدًا عن المهنية وقواعدها، أو يشاركون أخبارًا «مفبركة»، أو يعتمدون في كتابة مقالاتهم على أقوال «مكذوبة» منسوبة لبعض المسئولين.
الإعلام المهني والاحترافي يقتضي عدم التسرع في نشر أي أخبار؛ خاصة المهمة منها، إلا بعد التأكد من صحتها، وتدقيق المعلومات والتفاصيل الواردة فيها.. لكن ما يثير الاشمئزاز أن بعض وسائل الإعلام تتعامل مع الأحداث بمنطق «الفهلوة»، أو «التشفي»، أو على طريقة «كيد النسا»؛ ما يضعها في حرج بالغ، وسخرية دائمة.
نتذكر جميعنا كيف خرجت معظم الصحف المصرية؛ القومية والخاصة، بـ«مانشيت موحد» تقريبًا، يقول: «الجيش التركي يطيح بأردوغان».. وكأن نفس «الوحي» نزل عليهم جميعًا في توقيت واحد!
قطعًا هذا العنوان كان مثارًا للتندر والسخرية؛ خاصة بعد فشل الإطاحة بأردوغان.. بينما الشيء الوحيد الذي نجح فيه الانقلاب التركي هو الإطاحة بـ«المهنية الإعلامية».
التغطية «المنحازة»، أو«غير المهنية»، لم تكن خاصة بوسائل إعلامية مصرية فقط، فقد رأينا وكالات أنباء عالمية مثل «فرانس برس» التي تُعرف اختصارًا بـ«أ ف ب»، و«رويترز»، و«الأناضول» وغيرها، تنشر خبرًا يوم السبت 16 يوليو، بعنوان: «مصر تعرقل إصدار بيان بالإجماع لمجلس الأمن يندد بمحاولة الانقلاب في تركيا»، وهو الخبر الذي استغربته القاهرة، مؤكدة أنها طرحت تعديلًا طفيفًا في إحدى صياغات البيان، إلا أن بعض الوكالات لم تتعامل معه بإيجابية.
بالقطع، مثل هذا الخبر أثار موجة من التهكم والسخرية ضد وسائل الإعلام التي نشرته، وأفردت له مساحات واسعة؛ لأن مصر، رغم مكانتها الإقليمية، فإنها ليست «فتوة» في مجلس الأمن، لدرجة أنها تعرقل بيانًا من المجلس يندد بمحاولة انقلاب بعض ضباط الجيش التركي على أردوغان!
وقبل هذا الخبر بشهر، تقريبًا، وقعت وسائل إعلام إقليمية ودولية في «فضيحة» مدوية، بنشرها خبرًا بشأن اتهام رئيس الوفد المصري في مؤتمر الجمعية العامة لبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة في نيروبي، بـ«إهانة» الأفارقة، ووصفهم بأوصاف «غير لائقة»، و«عدائية».. وهي الاتهامات التي أثبتت تحقيقات الخارجية المصرية «عدم صحتها»؛ مطالبة بإقالة المسئولة الكينية «إيفون خاماتي»، منسقة لجنة الخبراء الأفريقية لدى المؤتمر، لكونها مسئولة عن هذا الخطأ الفادح.
وفي 11 يوليو نشرت وسائل إعلامية معادية لمصر خبرًا «مُحرفًا» لكلمة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بمدينة القدس المحتلة، مدعين أن «شكري» قال لـ«نتنياهو»: «أنقل لكم تحيات شعبنا.. فأنتم منا ونحن منكم رغم الخلافات.. وأدعوكم لزيارة القاهرة».. بينما الحقيقة أن «شكري» لم يقل ذلك. لكن- للأسف- وجدنا كتابًا اعتمدوا على هذه العبارات «المكذوبة» في صياغة مقالاتهم، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن الحقيقة، أو الرجوع إلى أصل كلمة الخارجية المصرية.
ثم انتشرت صورة «مفبركة» على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر سامح شكري وهو ينحي أمام نتنياهو؛ بهدف تشويه سمعة مصر، وإظهار وزير خارجيتها بمظهر الذليل الخانع!
ومؤخرًا نشرت مجلة «الإيكومنست» تقريرًا «متحيزًا»، و«سطحيًا» ضد مصر، ولجأت إلى أساليب بعيدة عن الموضوعية والمهينة، وغلبت عليها «دوافع سياسية» لتوصيف السياسات الاقتصادية لمصر، بهدف الإساءة إلى نظام الرئيس السيسي.
نستطيع القول -بمنتهى الأسف- إن بعض التغطيات الإعلامية المحلية، والإقليمية، والدولية تطيح بالمعايير المهنية والأخلاقية في التعامل مع الأحداث؛ بالتسرع في إعلان انحيازها؛ والشماتة في مصائب الآخرين؛ وعدم تحري الدقة فيما تنشره، وتعجلها في إصدار الأحكام المبنية على استنتاجات خاطئة.. ومثل هذه التغطيات «إثمها أكبر من نفعها».. فكلنا نعلم أنه «لا صداقات دائمة، ولا عداوات باقية، وإنما توجد مصالح دائمة».
إننا نطمح في إعلام «مهني»، «محترم»، يراعي المعايير والضوابط الأخلاقية والمهنية، ويراعي مصالحنا الوطنية، ويخدم تطلعاتنا القومية، ولا ينساق كالبعير وراء كل ما يروجه الغرب من شائعات، وتقارير «مشمومة».. فهل يتحقق ذلك؟