« الحصاد المرُ».. مزارعو مصر حقل تجارب
معاناة يومية يتكبدها فلاحــو مصر من شمالها إلى جنوبها؛ بسبب السياسات غير الواضحة سواء من وزارة الزراعة أو من وزارة الرى وكل الجهات المعنية بالزراعة في مصر.
“مبيدات مسرطنة ومحرمة دوليًا، مافيا لبيع القمح، سوق سوداء، عدم عدالة في توزيع الأسمدة الزراعية، قروض بفوائد باهظة يصعب سدادها”.. كل هذه ظروف فاسدة تعكر حياة الفلاح المصري، الذي لا يملك مصدر رزق لينفق على أبنائه سوى زراعة قطعة أرض وبيع محصولها، فهذا الفلاح البسيط يواجه جيشًا ظالمًا يحاربه بكل الأسلحة، وهذا الجيش يتكون من أفراد اتفقوا على إدمان التربح غير المشروع وسرقة الأرزاق وحب اللعب بالثلاث ورقات.
المبيدات المسرطنة
هؤلاء الأفراد يستغلون حاجة الفلاح للمكسب السريع؛ ويقنعونه باستخدام مبيدات زراعية مسرطنة للحصول على ثمرة يمكنه بيعها في أسرع وقت؛ دون أن يعلم أنه يتسبب في موت الآلاف.
أما الوجه المدمر؛ والذي لا يراه معظم الفلاحين، فهو أن معظم هذه المبيدات تسبب الإصابة بالسرطان، وهى مبيدات محظورة، ويحظر استخدامها أو تداولها نهائيًا، وهذه المبيدات خمسة أنواع، ويأتى في مقدمتها مبيد «الجليفوسات» المسرطن الذي يتم تسويقه تحت اسم «مونتسانتو» أو «رواندوب» من أكثر أنواع مبيدات الأعشاب المستخدمة في العالم، إضافة إلى مبيدات الحشرات «ملاثيون» و«باراتيون» و«ديازينون» و«البتراكلورفنفوس”.
ولكن هل يتم استخدام هذه المبيدات شديدة الخطورة في مصر؟ يمكننا الإجابة عـــن هذا التساؤل من خلال تقارير المركز الدولى للأبحاث السرطانية التابع لمنظمة الصحة العالمية، والذي يؤكد أن مصر تستخدم حاليًا مادة «الملاثيون» في الزراعة، والصحة العامة، ومكافحة الحشرات، ولا يزال تنتج بكميات كبيرة في جميع أنحاء العالم، ويتعرض العمال خلال استخدامها وإنتاجها لمخاطر الإصابة بالسرطان، كما أنه ينتشر في الهواء من خلال الرش، وينتقل إلى الإنسان من الجو، وأيضًا عند تناول الأغذية ويدخل مصر ومعظم الدول العربية عن طريق التهريب.وتشير الدراسات إلى وجود 48 ألف حالة تسمم سنويًا في مصر طبقًا لإحصائيات مركز السموم بعين شمس والإسكندرية والقاهرة والمنصورة عام 2010، نسبة التسمم بالمبيدات تمثل نحو 15٪ ومعدل التسمم في مصر بالمبيدات يبلغ 18 شخصًا لكل 100 ألف، ومعدل الإصابة بين الإناث أكثر من الذكور.
وطبقًا للإحصائيات الصادرة عن وزارة الزراعة عام 2014، فإن حجم المستهلك من المبيدات في مصر بلغ نحو 8400 طنًا مادة فعالة، ليصبح نصيب الفرد من هذه المبيدات 95 جرامًا سنويًا.
ويصل عدد المبيدات المسجلة بناء على المادة الفعالة إلى 225 مبيدًا، أما حجم تجارة المبيدات على مستوى العالم فتتجاوز قيمتها 55 مليار دولار، والمستهلك الآن نحو 5٫4 ملاييـــن طن.
وتؤكد الدراسات أن 25٪ من المبيدات المنتجة عالميًا تستخدمها الدول النامية، ومنها مصر، بينما تستخدم الدول المتقدمة 75٪ من المبيدات، ورغم ذلك فإن 90٪ من حالات التسمم من المبيدات تقع في الدول النامية، بينما لا يتعدى 10٪ فقط من حالات التسمم بسبب المبيدات في الدول المتقدمة.
مافيا القمح
ومحاربة الفلاح لا تأتى بالاعتماد على إغراقه وسط مبيدات مسرطنة لا يعى خطورتها عليه وعلى غيره، وإنما تأتى من خلال ما يعرف بمافيا القمح، فمع موسم الحصاد تتجدد أزمة توريد القمح من الفلاحين، والتي تتلخص في عدم إغلاق باب استيراد القمح من الخارج أثناء توريد المزارعين محصولهم وقيام المافيا بخلط القمح المحلى عالى الجودة بالقمح المستورد، وبذلك يحقق مافيا القمح أرباحًا طائلة؛ ففى عام 2015، تعدت أرباح المافيا من خلط المحلى بالمستورد ٣ مليارات جنيه، حيث تستورد مصر من الخارج ٧ ملايين طن قمح وتنتج ٧ ملايين طن من إجمالى المساحة المزروعة بالقمح والتي تصل إلى ٣ ملايين فدان ونستهلك ١٤ مليون طن سنويًا.
فوائد القروض
السلاح الثالث الذي يهدد الفلاح المصري، يتمثل في القروض عالية الفائدة، التي يلجأ الفلاح إليها ليتمكن من شراء الأسمدة وزراعة أرضه؛ فمعظم الفلاحين يقومون بالاقتراض من البنوك على أمل التسديــد من عائد بيع المحاصيل، لكن مافيا هذه المحاصيل وإهمال الحكومة في كثير من الأحيان يضطروهم إلى البيع بالخسارة، وتتراكم عليهم فوائد القروض، لينتهى المطاف بهم عند الحبس أو الحجز على أراضيهم.
وقد كشف تقرير صادر عن بنك التنمية والائتمان الزراعى، التابع لوزارة الزراعة، هذا العام، أن عدد المتعثرين لدى البنك بلغ ٣٠٠ ألف مزارع، بقيمة 3.4 مليارات جنيه، وتضمن التقرير توصية باتخاذ الإجراءات القانونية، ضد الفلاحين المتعثرين في حال عدم الالتزام بالسداد أو التقدم لتسوية المديونيات (لمزيد من التفاصيل طالع ص٧).
السوق السوداء
السلاح الرابع الذي يهدد الفلاح المصري، يتمثل في وجود سوق سوداء تسيطر على النسبة الأكبر من الأسمدة الزراعية، وتبيعها بأسعار مرتفعة، على الرغم من أن هذه الأسمدة من المفترض أن الحكومة هي من تقوم بتوزيعها على الفلاحين بشكل عادل، لكن ما يحدث هو عدم المساواة بين الفلاحين وحصول البعض على حقوق غيرهم وبيعها في السوق السوداء.