الشيخ الفرغل.. «سلطان» بالقوة الشعبية (بروفايل)
أختار الوقوف في صف الفقراء ضد تعنت الجبابرة من الحكام ورجال السلطة.. وهب حياته للدفاع عن حقوق المظلومين ولم يخش يوما قول كلمة حق في وجه سلطان جائر، فمنحه العامة لقب "السلطان"، ليصبح الشيخ محمد الفرغل بن أحمد أول حاكم شعبي يدير دفة الأمور في مصر دون أن يكون له عرش.
ولد محمد الفرغل بن أحمد؛ الملقب بـ"السلطان الفرغل"؛ عام 810 هجرية؛ بالأراضي الحجازية وهاجر إلى مصر بصحبة والده هربا من الاضطهاد الذين كان يتعرض له العلويين في ذلك الوقت؛ واستقر بهم المقام في بادئ الأمر بمدينة قنا، قبل أن يتركوها راحلين إلى محافظة سوهاج، ومنها إلى مدينة أبو تيج بمحافظة أسيوط.
يرجع نسبه من ناحية الأب إلى الإمام الحسن؛ ومن ناحية الأم إلى الامام الحسين؛ أبناء الامام على بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء؛ رضى الله عنهم أجمعين، واشتغل في طفولته برعي الغنم؛ ثم بالحراسة ومن بعدها امتهن الزراعة خلفا لوالده؛ قبل أن يتفرغ لدراسة علوم الفقه والحديث وتفسير القرآن الكريم؛ وسرعان ما ظهر نبوغه في العلوم الشرعية بشتى فروعها حتى صار قبلة يقصدها طلاب العلم من كل صوب وحدب.
لم يكن "السلطان الفرغل"، مجرد فقيه له باع طويل في ثبر أغوار المسائل الفقهية وشرحها ببساطة يألفها العامة، أو مفسر بارع لآيات القرآن الكريم، أو حتى مجرد ولى من أولياء الله شهد له الجميع بصلاح الظاهر والباطن، فقد كان بالإضافة إلى علمه وورعه وصلاحه وتقواه "سيف الفقراء المسلول" في وجوه الظالمين من حكام دولة المماليك.
مواقف وبطولات "السلطان الفرغل"، التي وقف فيها كالأسد المغوار ضد الحكام أكثر من أن تحصى نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر رحلته التي قطع خلالها الأيام والأسابيع مسافرا من أسيوط مقر إقامته إلى القاهرة مقر الديوان السلطاني ليواجه حاكم مصر في عصر الدولة المملوكية السلطان جمقمق؛ مظهرا اعتراضه على تردي الأحوال الاقتصادية للبلاد وتفشي الظلم وإستحواذ الطبقة الحاكمة على خيرات مصر تاركين العامة يعانون من ويلات الفقر والحاجة؛ وبمجرد دخوله إلى الديوان السلطاني وجه حديثه لـ"جمقمق" قائلا: "أنت وليت على البلاد؛ فأعدل بين العباد"؛ فقال له السلطان: "سمعا وطاعة يا سلطان الأولياء".
تشير المراجع التاريخية، إلى أنه بعد مرور أيام قليلة من وقوع هذه المواجهة الساخنة بين "السلطان الشعبي" محمد الفرغل، وبين "السلطان الشرعي" المملوك جمقمق، تحسنت أحوال الاقتصاد المصري وبدأ الحكام يحسنون إلى الرعية، حتى أن من كانوا يحكمون الصعيد منهم أعادوا الآلاف الأفدنة التي استولوا عليها بالقوة إلى أصحابها من الشعب، وأنقشعت غيوم الفقر والحاجة من سماء أكثرية أهل مصر؛ ومن ذلك الحين منح العامة محمد الفرغل لقب "السلطان"، واعتبروه الحاكم الفعلي المفوض بالشرعية الشعبية في الدفاع عن حقوق المصريين.
لقب آخر كان في انتظار الشيخ محمد الفرغل، وهو "سلطان الصعيد"، والسلطنة الممنوحة للفرغل هذه المرة ليست لقبا سياسيا كسابقه بل هو لقب ديني أطلقه عليه أبناء الصعيد بعدما ظهر لهم من كرامات وبركات حلت جلية أينما أقام الرجل أو رحل.
يؤكد العديد من كبار مشايخ التصوف، أن منح الشيخ الفرغل لقب "سلطان الصعيد" له عدة دلالات أهمها الإشارة إلى أنه الممسك بمفاتيح الولاية الربانية في صعيد مصر، وهذا يعني أنه كان "شيخ الأولياء" وصاحب المقام الأعلى بينهم.
في العام الأول من اكتمال سن الرشد عند الرجال، وبمجرد تجاوز السلطان الفرغل سن الأربعين بعام واحد، كانت الأقدار قد كتبت لهذا الشيخ الأجل لحظة النهاية في سن مبكر، وذلك بعودة روح الشيخ محمد الفرغل إلى بارئها عام 851 هجرية؛ بعد مسيرة علمية وسياسية وشعبية مدججة بأوسمة التميز.
تخليدا لذكرى السلطان، يحتفي أبناء الطرق الصوفية في نهاية شهر شوال من كل عام بميلاد الشيخ محمد الفرغل بن أحمد، حيث تقام احتفالات موسعة بمدينة أبو تيج مقر المسجد والضريح المسجى فيه "سلطان الصعيد"، مذكرين الجميع بما لهذا "السلطان" من أمجاد وبطولات.
ويحيي الشيخ ياسين التهامي؛ عميد الإنشاد؛ مساء اليوم الجمعة احتفالات مشيخة الطرق الصوفية بالليلة الختامية لمولد سيدي أحمد الفرغل؛ الملقب بسلطان الصعيد؛ وذلك في ميدان الفرغل بمدينة أبو تيج التابعة لمحافظة أسيوط.
ويقيم أبناء الطرق الصوفية في محافظة أسيوط وحدها أكثر من 365 احتفالا بذكرى مولد وانتقال الأولياء والصالحين؛ وذلك بعدد أيام السنة.