في الجبس سبع فوائد!
إن كُنت ساخطًا طوال الوقت أو بعضه لأسباب مُختلفة لا يعدمها إنسان مهما كانت سنه أو ظروفه أو حالته الاجتماعية خاصةً وإن كان متزوجًا، فلك أن تتخيَّل مرور لحظة عليك تتمنى فيها مُجرَّد تحريك يديك الاثنتين معًا لصنع أو حمل شيء، وتحلم للحظات بإمكانية الاستعانة بيدك اليُمنى لتقوم بتدوين ما يرغب عقلك في تسجيله سريعًا على الورق أو الكمبيوتر قبل أن تنساه، ليس هذا درسًا أخلاقيًا أو دينيًا، لكنه حقيقة ربما لا ندركها إلا عندما نمُر بموقف عسير نفقد خلاله أحد كنوزنا التي لا نشعُر بقدرها إلا عندما نفقدها أو حال تعطَّلت!
عندما توضع يدَك اليُمنى في الجبس لأكثر من شهر أثناء فترة مُراهقتك، وبالتحديد في سنة أولى ثانوى في أيام الدراسة، فهذا إنجاز يحسدك عليه أقرانك؛ فأنت قادر على فعل أي شيء في أي وقت بلا حدود، تروح المدرسة، تقعد في البيت، تصحى متأخر، تطنش المُذاكرة، الحجة جاهزة وأبدية، إيدك اليمين مكسورة هتذاكر إزاى؟!
هذه ليست سيرة ذاتية وإن كانت حدثًا مَرَّ بكاتب هذه السطور قديمًا، وعاش معه أيامًا زى اللوز المقشَّر، أو زى الكاچو لأن الكاچو أغلى، المُهم أننى أنفى مُجددًا كونها سيرة ذاتية لسبب بسيط هو أننى لم أكُن أول المكسورين ولم ولن أكون آخرهم بالطبع، والمُستفيدون من كسر الأذرع وشرخها ـ خاصةً اليد اليُمنى إن كان يستخدمها في الكتابة أو اليُسرى لو كان أعسر ـ سيظلون هؤلاء المُستفيدون دُرة في تاج الحالات المرضية، فالمكسور مريض وليس مريضًا، عاجز عن الحركة والفعل وليس كذلك، يقدر يقرأ جورنال أو مجلة ميكى، لكنه عاجز عن مطالعة كتاب العلوم أو النظر في كتاب التاريخ، بإمكانه أن يستيقظ مُبكرًا علشان يتفرَّج على التليفزيون، لكنه عاجز عن ذات الاستيقاظ علشان يروح الشُغل أو المدرسة!
مكسور الذراع يا عزيزى يمتلك الدُنيا في قبضة يده، دون أن يغُرَّك كونها مكسورة، فهو ابن الأسرة أو العائلة المُدلل، ياكُل ويشرب وينام دون أن يكون من جملة الخدام، بالعكس المُحيطون به هُم الخدم والحشم وهو العين والننى، مكسور الذراع لا يُسائل أبدًا في أي فعل، سهر برَّة البيت، إسراف في الراحة والأوامر والنواهى، تخلُّص من كُل المسئوليات خصوصًا المُتعلَّقة بجلب الطلبات والمُشتريات بالأطنان، وإنت راجع لتقصم ظهرك وتحرق قلبك وجيبك معًا، أو بحمل أكياس الزبالة بالأطنان وإنت خارج برضه بعد أن تحوَّلت فلوسَك المسكينة إلى مُخلَّفات قبيحة لم ترحمَك لا في ماضيها ولا حاضرها!
المُهم أن التجربة تختلف بعد أن يمُر العُمر، وتتحوَّل من تلميذ في ثانوى يعيش مُتطفلًا بلا مسئوليات على مَن يحملون همومه ومسئولياته بالنيابة عنه، ويتجدد الكسر في ذات الذراع اليُمنى بسبب تحوُّل الحادث القديم لنقطة ضعف واضحة، يعنى بالبلدى الإيد بتتلكك، ومن عجائب الصُدف إن الحادثتين الفاصل بينهما سنين طويلة وقعتا بذات الطريقة تقريبًا إذ أصيب الفقيد-اللى هو أنا-بالكسر بذات الطريقة بالكربون أثناء لعب ماتش كورة، ورغم ذلك لا يزال حتى اللحظة رافعًا شعار شبه بتاع الزملكاوية اللى هو "سنظل أوفياء"، إذ يؤكد أنه لن يكره الكُرة أو يُقلع عن لعبها حتى لو انكسرت رقبته، ولا أعلم لماذا يُذكرنى الموقفان بمقولة ستنا (فيروز) الشهيرة "حلوة بيت الجيران راحت في ليلة عيد، وانهدت الدكان واتعمَّر بيت جديد، بعده (حنا) السكران على حيطان النسيان عم بيصوِّر بنت الجيران"!
في البيت لو كُنت متزوجًا فالزعل والنكد ممنوعان ومرفوعان كي لا يؤثرا سلبًا على التئام عظام يدَك، متفرحش أوى كده دول متحوشين لك في بنك لا بينسى ولا بيسامح، وبُكرة يطلعوا على جِتِتَك العزيزة بفوايدهم وخناقاتهم وحُزنُهم وأساهم، لكن على كُل حال حاول تعيش لَك يومين زى بتوع الخطوبة، آه الأكل يوصل لحد سنانك وإنت قاعد بتشوف التليفزيون أو بتلعب بإيدك السليمة في التليفون، الهدوم تتلبِّس لَك من غير مجهود منك، وحتى الجزمة تتقلع وتتلبس فشر (سى السيد)، ويا سلام لما نكون في الصيف وإنت عارف إن المانجة من فواكه هذا الفصل العزيز، وقتها تجيلك المانجة (باللغة العربية مانجو علشان قسم التصحيح العزيز ميزعلش منى أو يظن فيَّا الجهل بالباطل) تجيلك المانجة متقطعة ومتشفية ومعاها شوكة أو لو عاوزها دليفرى لحد بؤك ماشى (فاك أو فيك اللى هو فمك باللغة العربية لنفس السبب السابق ذكره) لدرجة تخليك تتمتع وتتمنى إن الجبس يدوم العُمر كُله!
تتعوِّد زى حالاتى تكتب على الكيبورد بإيدك الشمال لوحدها، رغم ما في ذلك من مُعاناة تصل لدرجة الذُل خاصةً مع التعود مُنذ زمن طويل على الكتابة بالأيدين الاثنتين معًا بسُرعة خارقة لا تمنع أو تعطل تواصُل الأفكار وقت الحاجة لسكبها على الهارد ديسك عبر الكيبورد قبل ما تتنسى، تخيَّل نفسَك متعود تركَب صاروخ في الفضاء الرحب الواسع الفسيح الفاضى (الفضاء الفاضى أعتذر للأخوة المُراجعين ولعن الله القافية وأحكامها) وفجأة اضطريت تركب سيارة رولز رويس طراز سنة 1936 في شوارع القاهرة الساعة الثانية ظهرًا لكن سنة 2016 يوم أحد كمان وفى أغسطس، عمومًا في كُل الأحوال نصف العمى ولا العمى كُله، وأهو ننظُر للعُشر المليان في الكوباية بدل ما نتقهر على التسعة أعشار الفاضيين بلا جدوى، المُهم تتعوِّد تكتب بالشمال وخلاص، وإذا لم تعتد على ذلك فمصيبتك مصائب مُتعددة ومُتشعبة لا سيما إن كان رزقك وأكل عيشَك مُرتبط بالكتابة أصلًا زى حالاتى، فوقتها ليس أمامك إلا إنك تكتب بالشمال، أو تطلع على أقرب مسجد وتقعد تشحت هناك بالشمال برضه!