رئيس التحرير
عصام كامل

الاستثمار والأسعار والحكومة !


ما الذي يدعو أي مستثمر للاستثمار في مصر؟ سؤال بديهي ونحن نتحدث عن الاستثمار ومشكلاته في مصر، ولماذا تأخر كثيرًا رغم كل ما نسمعه من المسئولين في الحكومة، ورغم تغيير أكثر من وزير استثمار في فترات سابقة ؟ هل يأتي المستثمر سعيًا وراء إعلانات عن فرص استثمار واعدة في مصر؟ هل يأتي المستثمر -فردا كان أو شركة– تلبية لدعوة من مسئول مصري حبا فيه أو حبا في مصر؟


هل يأتي المستثمر لمجرد ثقته في الرئيس الذي يبذل جهدا كبيرا في الترويج للاستثمار في مصر؟ هل يأتي المستثمر لمجرد أننا نقول له كلاما عن نسب أرباح لا يوجد لها مثيل في أماكن أخرى ؟ هل يأتي المستثمر لأنه يريد الوقوف إلى جانب مصر في أزمتها الاقتصادية التي تمر فيها منذ 5 سنوات عجاف؟ هل.. وهل.. أسئلة تحتاج الإجابة عنها مكاشفات وشفافية، وتحتاج أجوبة لا مبررات فيها، ولا تحتاج اجتهادًا وفلسفة وعبقرية لا وقت لها ولا مجال للنقاش حولها، ولا تحتاج للبحث في الصندوق القديم الذي عفى عليه الزمن وصار عند بائع الخردة، ولا تحتاج لمحاولات اختراع العجلة من جديد!

القضية تحتاج للنظر في تجارب دول ليس لديها الإمكانات التي لدى مصر.. الموقع المتميز ونقطة الارتكاز والانطلاق.. السوق الكبيرة التي يستوعب كل السلع والخدمات.. العمالة الرخيصة.. الاستقرار السياسي، والإرادة السياسية في النجاح وتحقيق التقدم.

الاستثمار والأسعار والحكومة ثلاث حلقات متداخلة لا يمكن الفصل بينها، ومن ثم يجب التعامل معها برؤية متكاملة لأن كل منها تؤثر في الأخرى وتكون مقدمة ونتيجة لها، فالحكومة مسئولة عن جذب الاستثمار المباشر وغير المباشر بالطرق والوسائل الصحيحة، والاستثمار مسئول عن إنتاج السلع والخدمات ومسئول عن خلق فرص عمل للمواطن ليتحول إلى مستهلك لهذه السلع والخدمات، والسلع والخدمات هي التي تحدد الأسعار، والمستهلك هو من يتعامل مع الأسعار وإذا حرقت جيوبه زاد الضغط عليه وذلك مؤشر خطر، والأسعار هي التي تخلق حالتي الرواج والكساد في السوق، وحالة الرواج تخلق حالة الاستقرار الاقتصادي الذي يساعد على مواصلة الاستقرار السياسي وحالة الكساد تخلق العكس.

لذلك فإن الحل يكمن في البيئة الصحية الجاذبة والحاضنة للاستثمار التي تتميز بوضوح السياسات المالية والنقدية بكل عناصرها وتفاصيلها، وبالأمان المطلوب للحفاظ على أرواح وممتلكات المستثمرين، وبوجود تشريعات ونظام قانوني ثابت يتيح ويوفر إنجاز أي قضايا بين المستثمر والدولة في أسرع وقت، وبسهولة دخول وخروج المستثمر من السوق وتحويل أمواله التي ربحها إلى حيث يريد، وبتأكيد الالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية في هذا الشأن، وتمكين المستثمر من النفاذ للأسواق الخارجية، ونظام ضريبي عادل وواضح وثابت لا يقبل التحريك كلما أرادت الحكومة رفع معدل الجباية، وغير ذلك من الإجراءات التي أخذت بها الدول فنجح الاستثمار فيها وحققت معدلات نمو جيدة.

هل لدينا هذه البيئة الجاذبة حتى يمكن الإجابة عن الأسئلة المطروحة في صدر المقال؟ الإجابة ( بالفم المليان ) لا.. وهل لو أصبحت الضرائب في مصر صفرا –حسب قول أحد الخبراء– هل يأتي المستثمرون؟ الإجابة أيضًا لا !

والسبب أن الحكومة تتكلم أكثر مما تفعل في هذا الشأن، وتطلق أمنيات دون اتخاذ خطوات لتحقيقها رغم أن القيادة السياسية تملك الإرادة وتدعو إلى ذلك في كل مجال ومقام فلا يتم غير تغيير وزير الاستثمار، ويبقى الوضع كما هو عليه.

بيئة الاستثمار الجاذبة (شيلة واحدة) لا يمكن تجزئتها، والمستثمر يجري وراء مصالحه، ورأس المال لا يعرف وطنًا أو ديانة.. أما الحديث بالنوايا الطيبة لن يفيد إلا في قطع وقت الحكومة الممل، ورفع الحرج عن وزيرة الاستثمار التي لا أتذكر اسمها سريعًا لغيابها عن العمل !
الجريدة الرسمية