الإرهاب في دائرة القلم والسلاح
نحن الآن نشاهد إرهابا دمويا وعنفا سياسيا ينحصر في دائرة القلم والسلاح؛ القلم الذي يسىء إلى الأديان والأنبياء وتأجيج الطائفية من خلال السوشيال ميديا والسلاح الذي يقتل الإنسان بدلًا من تطبيق القانون وسيادته، الإرهاب الفكرى والإرهاب الدموى، كلاهما وجهان لعملة واحدة من خلال موجة تجتاح العالم باسم الدين تارة وباسم حرية الرأى وحقوق الإنسان تارة أخرى.
بدأ هذا الإرهاب منذ سنوات وسنوات وتعاظم دوره في المنطقة العربية قبل ثورة 25 يناير بشهور حينما فُجرت كنيسة القديسين وراح نتاج هذا العمل الإرهابى أبرياء لا ذنب لهم، وبات العالم كله يشاهد هذا المشهد صامتا متفرجًا وكأنه مشهد رومانسى للتسلية، بل تعاظم هذا الدور للمنهج الإرهابى الذي تتنهجه جماعات لا علاقة لها بالإنسانية بعد 30 يونيو حينما قُتل جنودنا من الجيش المصرى العظيم ومن رجال الشرطة في أكثر من حادثة قَطر القلب منها دمًا، بل وشبابنا الذين دافعوا عن أرض الوطن ضد جماعة تريد ليس العصف بالهوية المصرية فقط بل بالهوية الإنسانية وبات العالم أمام هذا المشهد متفرجًا أيضًا، بل تعاظم الأمر في حرق 80 كنيسة بعد فض البؤرة الإرهابية في رابعة، كانت حادثة مروعة بكل المقاييس وكان هناك صمت دولى وخرست منظمات حقوق الإنسان على ما فعله الإرهاب.
حرقت دور العبادة متمثلة في الكنائس في مشهد يُندى له الجبين وتعتصر له القلوب في خطة جهنمية ليلجأ الأقباط لطلب الحماية الخارجية؛ وكانت الصدمة للإرهابية، رفض أقباط مصر بكل قوة التآمر على وطنهم، وعارضوا أي شكل من أشكال التدخل، وآثروا حرق كنائسهم على حرق وطنهم. هزم الشعب المصرى بجيشه وشرطته هذا الإرهاب ومازال يهزم فيه من خلال قيادة حكيمة منتخبة بإرادة حرة ردت لمصر كرامتها وعزتها امام العالم متمثلة في الرئيس السيسي.
وتابع الغرب أيضا قصة الإرهاب في المنطقة عندما ظهر في صورة داعش في سوريا والعراق وليبيا، ووقف يشاهد تهجير العراقيين وهتك عرضهم دون تحرك، وها هنا الإرهاب ينتقل إلى الغرب إرهابا فكريا يسىء إلى الأديان والأنبياء بصورة متكررة، يقابله إرهاب القتل والذبح لمن فعل ذلك في حادثة شارلى إبدو ضاربين بعرض الحائط القانون وسيادته، ويتجسد الإرهاب في دائرة القلم الذي رسم الرسوم المسيئة للدين والقتل والعنف الدموى بدلا من تطبيق القانون، وفى هذه اللحظة هب رؤساء بعض الدول لرفض هذا الإرهاب ولكن جاء هذا الرفض متأخرًا لأن هذا الرفض لم يبدأ عندما بدأ الإرهاب في المنطقة العربية وتركوا المشهد رغبة في مكاسب سياسية فانسحب الأمر على هذه الدول.
وتتكرر حوداث الإرهاب في الغرب في أمريكا وفى حادث نيس بجنوب فرنسا والشاحنة التي ظلت تدهس المواطنين على امتداد 2كم، وأول أمس ضربات الإرهاب في مدينة ميونيخ بولاية بافاريا بألمانيا، وفى الحقيقة من يحلل التاريخ تحليلًا نقديًا موضوعيًا، يجد أن الغرب هو أول من أسس الجماعات الإرهابية ابتداء من الكيان الصهيونى وهو من أقدم الجماعات الإرهابية في العالم وانتهاء بالتنظيمات الإرهابية التي أخذت من الدين ستارًا ومنها إلى القاعدة ودورها في إنشاء داعش وتقسيم العالم الإسلامي والعربى وفتح أبواب الصراعات المذهبية وتشجيع الفكر المتطرف.
ويخطئ من يظن أن الإرهاب يعد متعلقًا ببلد دون آخر أو مقتصرًا على زمان دون آخر بل إن الإرهاب بصوره المتعددة وما أكثرها كما ذكرت سابقًا لا يجب معالجته معالجة سطحية جزئية كالشجب والإدانة، بل يجب التجمع لرفض ذلك؛ لأن أنياب الإرهاب أنياب متوحشة لا ضمير لها ولا وزاع من دين أو اخلاق؛ ومن هنا إن لم تكن دول العالم جادة في القضاء على الإرهاب بالبحث في جذوره والضرب بكل قوة على الإرهاب والإرهابيين فلا يكون هناك معالجة حقيقية... فلن تقضى المعالجة الأمنية وحدها على الإرهاب ولن تنجح المؤتمرات في التوصل إلى حل المشكلة إلا إذا صدقت النوايا وصح العزم من جانب كل دولة من الدول وإذا لم تضع المؤتمرات هذا المبدأ في اعتبارها فإنها ستكون عديمة الجدوى وستكون كحوار الطرشان وستبدو أن كل واحد يتكلم بلغة غير اللغة التي يتكلم بها الآخر ومن ثم لا حوار ولا حل للمشكلة.
إذن الحل كما أراه في اعتقادى أن نبحث عن جذور الإرهاب ولا نقتصر على نوع من الإرهاب دون النوع الآخر لأننا نجد صلة بين كل صورة من صور الإرهاب والصورة الأخرى، نجده حين يعلن عدد من الإرهابيين والمتطرفين الحرب الإرهابية على النظم القائمة في هذه الدولة أو تلك، ونجده أيضًا في الفكر المتطرف بأشكاله، بل نجده عند أتباع مذهب حين يعلنون الحرب على أتباع مذهب آخر حتى داخل الدين الواحد مثل(الشيعة والسنة في العراق) على سبيل المثال لا الحصر، لقد اختلطت الأمور في بعض الدول الأوروبية والأمريكية والعربية أيضًا وبالتالى كان الإرهاب متوقعا.
اختلط الدينى بالسياسي، واختلط الدين بالاقتصاد، بل اختلط المجال الدينى بالمجال العلمى، اختلط المقدس بالمدنس، وقُدست بعض الكتب الدينية البعيدة عن الدين الصحيح بالجذور الإرهابية، وللأسف نجد ذلك في بعض الكتب التعليمية وبعض الجرائد والمجلات ووسائل الميديا التي تحارب التنوير وتحارب أيضًا الثوابت الدينية، إلى آخر ذلك من الأمثلة فلابد من تكاتف كل القوى حتى يصبح الإرهاب مجرد تاريخ سيئ، ولابد من محاصرة الإرهاب بالفكر وبالتنوير وبنشر ثقافة التسامح والحوار وقبول الآخر مهما اختلف، وسيادة القانون ليقتل هذا الخطر الأسود بأنيابه المتعددة والمختلفة ولابد أن ندرك أن الإرهاب ظاهرة عالمية وليست محلية ومن ثم أقترح تأسيس مجلس دولى لمحاربة الإرهاب يتكون من مجموعة من رؤساء الدول..
ويقوم هذا المجلس على معايير دولية تحترم الثوابت والمعايير الأخلاقية والدينية والإنسانية أيضا، ويخلو من المصالح الاقتصادية والسياسية لبحث وضع خطة طويلة المدى، على أن يعمل هذا المجلس بصورة دائمة ويتناول القضية بمعالجة تفصيلية فلا توجد مشكلة دون حل والمهم أن تكون النوايا صادقة لقتل هذا الوباء الأسود.