رئيس التحرير
عصام كامل

مؤسس الانقلاب في تركيا.. إسلامي!


ربما لا يعرف الكثيرون شيئا عن الانقلاب العسكري في تركيا، وربما يعتقدون أن القوى العلمانية المناوئة للتيارات الإسلامية في الوطن العربي هي السبب وراء الانقلاب الحادث في تركيا، ولكن الواقع عكس ذلك تماما، وذلك بحسب الروايات التركية نفسها.. فالمتتبع للاتهامات التركية عن قادة الانقلاب العسكري يري أن أصابع الاتهام تشير إلى أن وراء هذا الانقلاب حركة "كولن" وهي حركة إسلامية مناوئة لحزب الحرية والعدالة يتزعمها "محمد فتح الله كولن" وهو مؤسس وصاحب أكبر المدارس الإسلامية في تركيا والعديد من دول العالم، وكولن لمن لا يعرف مفكر إسلامي وداعية تركي ولد في 27 أبريل 1941 في قرية صغيرة تابعة لقضاء حسن قلعة المرتبطة بمحافظة أرضروم، ونشأ في عائلة متدينة.


وكان من حلفاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الماضي، لكن العلاقة بين حكومة حزب العدالة وحركة كولن أصبحت متوترة، وأصبح الانقسام علنيا في سنة 2013م، حين ظهرت تهم فساد للمسئولين في الحكومة التركية، واتهم أردوغان كولن بالوقوف وراء المشكلة للتأثير سلبا على حزب العدالة والتنمية.

درس كولن في المدرسة الدينية في طفولته وصباه، وتلقى تربية روحية إلى جانب العلوم الدينية من علماء معروفين من أبرزهم عثمان بكتاش الذي كان من أبرز فقهاء عهده، حيث درس عليه النحو والبلاغة والفقه وأصول الفقه والعقائد، وبتقدمه في العمر ازدادت مطالعاته وتنوعت ثقافته وتوسعت، فاطلع على الثقافة الغربية وأفكارها وفلسفاتها وعلى الفلسفة الشرقية أيضًا وتابع قراءة العلوم الوضعية كالفيزياء والكيمياء وعلم الفلك وعلم الأحياء...إلخ.

وعندما بلغ العشرين من عمره عيّن إمامًا في مدينة أدرنة،حيث قضى فيها مدة سنتين ونصف السنة في جو من الزهد ورياضة النفس.

بدأ عمله الدعوي في أزمير في مدرسة تحفيظ القرآن التابعة للجامع، ثم عمل واعظًا متجولًا، فطاف في جميع أنحاء غربي الأناضول، وفي خطبه ومواعظه كان يربي النفوس ويطهرها من أدرانها، ويذكرها بخالقها وربها ويرجعها إليه، وكان يجوب البلاد طولًا وعرضًا، كما كان يرتب المحاضرات العلمية والدينية والاجتماعية والفلسفية والفكرية.

بدأ فتح الله ولا سيما بعد عام 1990 بحركة رائدة في الحوار والتفاهم بين الأديان وبين الأفكار الأخرى متسمة بالمرونة والبعد عن التعصب والتشنج، حيث آمن بأن العالم أصبح بعد تقدم وسائل الاتصالات قرية عالمية، لذا فإن أي حركة قائمة على الخصومة والعداء لن تؤدي إلى أي نتيجة إيجابية، وأنه يجب الانفتاح على العالم بأسره، وإبلاغ العالم كله بأن الإسلام ليس قائمًا على الإرهاب -كما يصوره أعداؤه- وأن هناك مجالات واسعة للتعاون بين الإسلام وبين الأديان الأخرى، على عكس نجم الدين أربكان الذي يعد أب الإسلام السياسي في تركيا، الذي كان يري العداء لأمريكا والصهيونية العالمية.

ازدهرت حركة فتح الله كولن في إطار انتعاش الحركات والطرق الدينية في تركيا في الثمانينيات من القرن الماضي. بعد الانقلاب العسكري بقيادة كنعان أفرين عام 1980، والقرارات التي اتخذتها الحكومة العسكرية والمتعلقة بتحرير الاقتصاد وخصخصة الإعلام وإتاحة حرية عمل أكبر، للمنظمات المدنية بما في ذلك الجماعات الدينية، بدأت الطرق الدينية في الازدهار ومنها "طريقة النور" التي أسسها الصوفي الكردي سعيد النورسي (1873- 1960) والتي خرجت منها وتأثرت بها لاحقا حركة كولن.

وجوهر فلسفتها إيجاد مجتمع إسلامي ملتزم، لكن في الوقت نفسه متلهف للمعرفة والتكنولوجيا الحديثة والتقدم لإنهاء تقدم العالم الغربي على العالم الإسلامي. واليوم يقترن اسم فتح الله كولن بمصطلح الإسلام التركي المتنور أو المعتدل، إذ حاول مع مؤيديه تأسيس حركة دينية سياسية اجتماعية حديثة تمزج الحداثة، بالتدين بالقومية بالتسامح بالديمقراطية. ووضع الإسلام والقومية والليبرالية في بوتقة واحدة.

كتبت الكثير من الدوريات الغربية عن كولن تصوره كزعيم حركة اجتماعية إسلامية قومية غير معاد للغرب، ووجه المستقبل للإسلام الاجتماعي في الشرق الأوسط، لكن معارضيه يقولون عنه إنه الخطر الحقيقي على العلمانية التركية، ويتهمونه بمحاولة تقويض العلمانية التركية عبر أسلمة الممارسات الاجتماعية للأتراك.

لفتح الله كولن 60 كتابا، وقد حصل على العديد من الجوائز على كتبه هذه، وأغلبها حول التصوف في الإسلام ومعنى التدين، والتحديات التي تواجه الإسلام اليوم كما ألف في السيرة النبوية كتابا حديثا أسماه (النور الخالد) الدراسة العلمية في السيرة النبوية.
الجريدة الرسمية