وهل «المسيحيون» لهم ما لنا يا سيادة الرئيس؟!
في كلمته التي ألقاها في الكلية الحربية أول أمس الخميس، بمناسبة الاحتفال بتخريج دفعات جديدة من طلبة الكليات والمعاهد العسكرية، والذكرى الرابعة والستين لثورة يوليو، خرج الرئيس عبد الفتاح السيسي عن النص؛ ليؤكد على أهمية الحفاظ على الوحدة الوطنية بين شركاء الوطن المسلمين والمسيحيين.
كان من الممكن أن يمر ما ذكره الرئيس مرور الكرام، لكن، ونظرًا لخطورة الحدث، وفداحته، سنبدي بعض الملاحظات، على ما ذكره.. فسيادته شدد على أنه «لا فرق بين مسلم ومسيحي، وأن الجميع مصريون، متساوون في الحقوق والواجبات، ولا زيادة لأحد على الآخر».
ما أكد عليه سيادته يتوافق تمامًا مع المادة (53) من دستور 2014 التي تنص على: «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. والتمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض».
لكن فارقًا كبيرًا بين ما قاله سيادة الرئيس، ونص عليه الدستور، وما يتم تنفيذه على أرض الواقع، ورسخته أنظمة سابقة.. فكلنا نعلم أن هناك تمييزًا- «في دستور غير مكتوب»- يُمارس، ليس ضد المسيحيين فقط، ولكن ضد فئات وشرائح عديدة من المصريين.. وهذا الدستور «السري» توارثناه منذ عقود، والحكومات المتعاقبة أقرته.. وإلا بِمَ نفسر عدم اقتراب «الأقباط» من مناصب معينة في الدولة، كرئاسة الوزراء مثلًا؟ هل لعدم الكفاءة، أم لـ«التمييز المستتر»؟ ولماذا حُرِّمت كليات عسكرية، ووظائف مدنية رفيعة على أبناء الفقراء، والبسطاء من المسيحيين، أو المسلمين على السواء، رغم تفوقهم، وكفاءتهم؟.. ألا يعد ذلك تمييزًا؟!
سيادتك حذرتنا من القول: «هذا مصري مسلم، وهذا مصري مسيحي»، وطلبت منا أن نقول: «هذا مصري، له ما لنا، وعليه ما علينا».. ونحن معك قلبًا وقالبًا.. لكننا نتساءل: لماذا تترك الحكومة المتطرفين من الجانبين يمارسون استقطابهم الحاد، ويشوهون بعضهم بعضا؟ كم مرة حرَّض هؤلاء ضد الآخر، ومازالوا طلقاء، يبثون سمومهم في كل مكان؟ كم صفحة على «فيس بوك» تمارس التحريض ولم تتحرك الدولة لإغلاقها، أو تلقى القبض على القائمين عليها؟ ثم أي موقف اتخذته الدولة تجاه الدعوات التي طالبت بعدم التبرع لـ«مستشفى ومركز الدكتور مجدي يعقوب لعلاج أمراض القلب» لأنه مسيحي؟!
سيادة الرئيس.. نحن مع سيادتكم في تأكيدكم على أن «الوحدة الوطنية ضمانة الوجود والنجاح لمصر».. لكن قد نختلف معكم في أن: «المسلمون والمسيحيون شركاء الوطن دون تفرقة».. فالحقيقة- التي يتعمد المسئولون إنكارها- أن «الأقباط» شركاء الوطن بالكلام، لا بالأفعال.. بالشعارات، لا بالبيِّنات الواضحات.. في الخطب، والمناسبات، والانتخابات، لا في الحقوق والامتيازات.. وإلا بِمَ نفسر السماح للمسلمين ببناء مساجد وزوايا، بينما تقوم الدنيا ولم تقعد، وتقع اشتباكات، ويسقط قتلى من الجانبين لمجرد شائعة بناء كنيسة؟ فإذا كنا حقًا لانفرق بين نسيج الأمة، فلماذا لم يتم إصدار قانون دور العبادة الموحد حتى الآن؟
سيادتك قلت: «نحن في دولة القانون، ومَنْ يخطئ يحاسب، بدءًا من رئيس الجمهورية إلى أي مواطن».. ونحن معك.. لكن- للأسف- الحكومات لم تنفذ القانون، بل لجأت إلى المسكنات والمجالس العرفية، والأحضان الباهتة، والقبلات المفتعلة بين الشيوخ والقساوسة.. ولو كانت الدولة طبقت القانون منذ البداية، ولم تلجأ إلى سياسة «أطبطب وأدلع»، ما كنا وصلنا إلى هذه الحالة الخطيرة.
سيادة الرئيس.. اختتمتم الحديث في هذه القضية بتحذيركم من خطورة الحوادث «الطائفية»، ومحاولة البعض استغلالها لإحداث الوقيعة بين المسلمين والمسيحيين.. وهنا نتساءل: ومَنْ الذي أعطى الفرصة للمتربصين بنا، والشامتين فينا، والمتآمرين علينا يا سيادة الرئيس؟ أليست الدولة هي المسئولة الأولى بتراخيها عن تطبيق القانون على المخطئ دون أية اعتبارات، أو مواءمات؟
اطمئن سيادة الرئيس.. فلو تداعت علينا الأمم لتنال من لحمتنا الوطنية ما استطاعت، طالما كانت جبهتنا الداخلية قوية متماسكة، وطالما كان هناك ترسيخ لدولة «سيادة القانون» في مصر التي تريدها ونريدها معكم «أد الدنيا».
سيادة الرئيس.. اطمئن.. فنحن لن نسمح أبدًا لأحد باستغلال هذه الأحداث «الفردية» للتدخل في شؤوننا الداخلية، أو أن يستقوي بالخارج علينا.. لكن لو انشغلنا كثيرًا بالعَرَض وأغفلنا المرض، فإن الداء سيستفحل، والورم الطائفي سينتشر في جسد الوطن، والنار الطائفية ستحرق الجميع، ولن يكون هناك وطن نتقاتل عليه.. أليس كذلك؟!
****
فاصلة منقوطة
«الوطنية» لا تعني الإيمان بوطنك فقط، بل بأوطان الآخرين أيضًا!