من أمن العقاب أساء للأقباط..جدًا؟!
لي صديق كان يسير على طريق سريع بمقاطعة أونتاريو الكندية، وتجاوز السرعة القصوي للطريق بـ 30 كم/ساعة، فاستوقفه ضابط البوليس لمخالفته السرعة المقررة، وحاول صديقي أن يعتذر عن هذا الفعل، ويُقدم المبررات بأنه كان يجب أن يقود مسرعًا لكي يلحق عمله في أقرب وقت لأمر هام لا يجب معه التأخر، وقال للضابط: “هذه أول مرة أتجاوز السرعة بهذا الشكل”، وهنا نظر إليه ظابط الشرطة قائلًا: ”لا تقلق فأنا أعدك أنها ستكون آخر مرة“، وبالفعل، فقد تم سحب السيارة منه لمدة أسبوع، ودفع عدة آلاف كغرامة، بجانب عدة آلاف أخرى، نتيجة زيادة قيمة التأمين على السيارة على مدى سنوات.
ومن وقتها وهو دائمًا يسير بسرعة أقل من المقررة، فضلًا عن أنه يتابع كل القوانين المرورية الصادرة حتى لا يقع في أي مخالفة جديدة، وتحقق قول الضابط له إنه لن يجعله يفعلها مرة أخرى.
تذكرت تلك الواقعة الدالة على قوة القانون ودوره في الردع وأهميته في عدم تكرار الخطأ، وأنا أتابع هذا الكم الأخير من حوادث الاعتداءات على الأقباط في أماكن متفرقة في مصر وبدواع مختلفة، فمن إشاعة بناء كنيسة على قطعة أرض يملكها القبطي كامل مرزوق سمعان بالزاوية الحمراء في يونيو 1981 إلى إشاعة بناء كنيسة بمنزل بالعامرية يملكها القبطي نعيم عزيز في يونيو 2016، 35 عامًا منذ خطاب السادات بالبرلمان وحتى خطاب السيسي بالأسمرات ولم نسمع سوي كلامًا، 35 عامًا لم يتغير شيء.
المشهد كما هو تمامًا، نفس الاعتداءات على الأقباط، نفس الهتافات العنصرية ضدهم، نفس دور الشرطة المتواطئ، نفس الضغوط لإرغام الأقباط على قبول الصلح رغم أنفهم، نفس رغبة الدولة في إقرار حالة “اللا قانون”.
حالة نعيشها على مدى ثلاث عقود ونصف العقد وصفها أسقف المنيا الشجاع، الأنبا مكاريوس، بأنه لا تمر 10 أيام دون اعتداءات على الأقباط، سواء بشكل جماعي، أو بشكل فردي كما في حالات الاختطاف المتكررة لبالغين وقاصرات. على مدى 35 عاما تعاقب على البلاد، أربعة رؤساء وثورتين وثلاثة دساتير، وأنظمة رحلت وأنظمة حلت، وأجيال ذهبت وأجيال أتت، ومازالت هناك ذات الرغبة لإطلاق جانٍ دون عقاب، والتي لا تقود فقط لضياع حقوق الضحايا الأقباط، وشيوع فوضي ظلم المستضعفين، ولكن تعطي حافزا للآخرين لتكرار الأفعال وتنفيس الغضب في الأقباط دون مساءلة، وكما يقول المثل “من أمن العقاب، أساء الأدب”، فهؤلاء أمنوا العقاب جدًا، فأساءوا الأدب جدًا جدًا.
ما زال لدينا بصيص الأمل في مصر ما بعد 30 يونيو، ونحتاج أن نتأكد من ثمة تغيير في الأحوال وليس في الأشخاص فقط، نحتاج أن نتأكد أن الصراع كان لصالح مصر المدنية الحديثة، ضد الدولة الدينية الرجعية ولم يكن صراعا على السلطة بين القوى. ما زال لدينا أمل أن يتجاوز كل من في الحكم الآن معسول الكلام إلى معقول الفعل.