رئيس التحرير
عصام كامل

لوبي «الحباية الصفرا».. تورط نواب ورجال أعمال ومسئولين كبار في «فضيحة القمح».. أمناء الشون يتقاضون 400 ألف جنيه لتسهيل توريد القمح الوهمي.. والجمعيات الزراعية غائبة عن المشهد

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

"من أمن العقوبة أساء الأدب".. عبارة تلخص الواقع المؤلم الذي تعيشه مصر في السنوات الأخيرة، فحينما تغيب الرقابة أو يتم تغييبها عمدا ينتشر الفساد ويمارس لوبي المصالح هوايته في جمع الأموال، وتكوين الثروات حتى لو كان ذلك على حساب فقراء الوطن، وما يحدث في أزمة توريد القمح المحلي، وفساد صوامع الغلال يكشف وبجلاء حجم الفساد الذي تمكن من مفاصل مصر.


توريد القمح المحلي كان الفرصة الذهبية التي اقتنصها لوبي الفساد، لتحقيق ثروات غير مشروعة مستغلًا القوانين المهترئة والإجراءات العقيمة والخلايا المعاونة من وزارتى التموين والزراعة، ليتحول موسم توريد القمح المحلى هذا العام إلى «أوكازيون» التوريد الوهمى للقمح الذي يقدر حجم إهدار المال العام فيه طبقا للجنة تقصى الحقائق بالبرلمان بما يقرب من 5 مليارات جنيه عن العامين الماضيين لتصل خلال هذه الأيام من عمل اللجنة إلى 500 مليون جنيه بعد الانتهاء من مراجعة 15 نقطة تخزين للقمح من إجمالي 517 ما بين شون وصوامع للقطاعين العام والخاص.


وتسيطر مافيا الفساد في القمح على موسم التوريد سواء كانت من عناصر داخلية لوكلاء الشركات العالمية التي تصدر القمح إلى مصر لإثارة الفوضى في الإنتاج المحلى وتطفيش الفلاحين من زراعة المحصول الإستراتيجي ليبقى الباب مفتوحًا أمامها دون غيرها بما يصل إلى حد المؤامرة على القمح المصرى، وهو ما أصاب المزارعين بالإحباط بعد رحلة "كعب داير" على توريد محصولهم مع بداية الموسم.


ورغم أن مجلس الوزراء أعلن فتح باب التوريد للشون الترابية نظرا لعدم الانتهاء من إعادة تشغيل الصوامع الجديدة والتي يصل عددها إلى 122 صومعة إلا أنا مافيا الفساد مارست هوايتها ونجحت في خلط القمح المحلى بالمستورد بعد استيراد 500 ألف طن استعدادا لموسم التوريد والخلط وهو ما كشفته آلية مباحث الإدارة العامة للتموين بعد ضبط كميات كبيرة من الأقماح المخلوطة والمصابة حشريا ومنتهية الصلاحية في عدد من المحافظات.


المؤشرات تؤكد أنه لا يمكن تحميل وزارة التموين المسئولية وحدها في ضوء ما تصدره إليها وزارة الزراعة من اتهامات كون الأخيرة من الجهات المشاركة في لجان الفرز والاستلام ونقاط التخزين في شون بنك التنمية والائتمان الزراعي، التي لم يتم تطويرها بجانب أن بعض أمناء الشون كانوا يحصلون على مبالغ تصل إلى ما بين 300 و400 ألف جنيه لأصحاب النفوس الضعيفة لمنح الموردين تسهيلات تفترب إلى التوريد الوهمى للقمح دون وجود لهذه الكميات على أرض الواقع، كما أن وزارة الصناعة والتجارة الداخلية ليست بمنأى عن المسئولية لكون الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات من الجهات التي تشرف من خلال مندوبيها على الفرز والاستلام للقمح ولم توفر الإعدادات الكافية لجميع نقاط التوريد بالمحافظات وهى التي تعتمد محاضر الغلق مع أعضاء اللجنة. 


وكشفت مصادر مطلعة داخل التموين تفاصيل الأزمة قائلة: "الوزارة كانت تؤيد الدعم النقدى للمزارعين بــ1300 جنيه للفدان لكن نواب البرمان اعترضوا على هذه الآلية لكونها تتعارض مع الحيازات الزراعية بما بجعل الدعم للمالك، وليس للمستأجر وعلت الأصوات بأن القمح لن يتم زراعته في العام المقبل والتموين تفتح الطريق للمستورد لأن هناك ما يقرب من ألف جنيه فرق سعر بين المحلى والمستورد في الطن وهذا ما يسعى إليه كبار مستوردي القمح الذين يتراوحون بين 7 و8 وكلاء من كبار تجار القمح في مصر".

وأضافت المصادر أنه من الصعب أن يعمل وزير التموين بمفرده في ظل وجود قيادات هشة في قطاعات الوزارة ومنها المسئولين عن التسويق في شركتى المصرية القابضة للصوامع والمصرية الذين فشلوا في إحكام الرقابة من خلال المتابعة مع الجهات الرقابية، بجانب أن هناك مسئولين بالصوامع ليست لديهم الخبرة على مراقبة الموسم وكشف التلاعب لدرجة أن أحد معاونى وزير التموين وعضو مجلس إدارة الشركة القابضة للصوامع حاصلة على ليسانس آداب ولا تمتلك خبرة على الإطلاق وتعد همزة الوصل بين شركات الصوامع والوزير، كما أن التوريد في رمضان لم يتح الفرصة الكاملة للرقابة على التوريد وعجز بعض أعضاء اللجان الذين كان يتم التوقيع بحضورهم على المحاضر بما زاد من هوة أزمة الضمير والتلاعب في التوريد. 


وتؤكد المصادر أن شعبتى مطاحن 82% التي تنتج الدقيق المدعم للمخابز و72% التي تنتج الدقيق الفاخر دخلوا أزمة الصراع في توريد القمح لأن "التموين" رفضت مطالب إحدى الشعبيتن للحصول على حصة من القمح لإنتاجه لصالح الخبز المدعم فأرادت أن تستغل الأزمة كفرصة لتشويه وزير التموين واتهامه بالمجاملة لفئات من رجال أعمال بعينهم كما أن هناك من يطلقون سهامهم حول التوريد الوهمى للقمح ممن لهم مصالح في رئاسة جهاز تنمية التجارة الداخلية التابع للوزارة بما يكشف عن استغلال الأزمة لتصفية حسابات خاصة.

ويطالب المحاسب هشام كامل المستشار بقطاع الرقابة والتوزيع بوزارة التموين بفض الزواج الكاثوليكى بين ملكية الصوامع والشون في آن واحد لرجال الأعمال لأن هذا يعد بوابة للفساد ويتصادم مع قرار وزير التموين بعدم سحب القمح من الصوامع إلى المطاحن إلا بعد عملية الجرد من قبل لجنة تقصى الحقائق والشركة السويسرية "إس. جى إس" التي تقدر حجم كميات الأقماح بنقاط التوريد، لافتا إلى أنه لابد من إعادة النظر في لجان توريد القمح ولابد من لجنة بكل مركز وأخرى بالمحافظة للمتابعة بجانب لجان من الوزارة واتخاذ كل الإجراءات القاسية ضد المتلاعبين في موسم التوريد، بجانب مراجعة الحيازات الزراعية التي يحدث بها تلاعب في الكميات المزروعة بها بالأقماح للحصول على الأسمدة التي لا يتم الحصول عليها حال زراعة الأرض بمحصول شتوى آخر كالبرسيم، خاصة أن الجمعيات الزراعية في كثير من الأحوال لا تتابع المساحة المزروعة على أرض الواقع بنوعية للمحصول لدرجة أن بعض الخبراء أكد أن مساحة القمح المزروعة هذا العام تتراوح بين 2 مليون و75 ألف فدان رغم ما أعلنته الزراعة من أن هنا أكثر من 3 ملايين فدان تمت زراعتها.

بجانب تغيير أمناء الشون المشبوهين من الأعوام السابقة وزيادة عدد ممثلى الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات بلجان الفرز وتطبيق وتفعيل دور قطاع الرقابة المنوط به الإشراف على التوريد من خلال التوريد على أرض الواقع وليس من خلال تلقى البيانات بالمكاتب المكيفة بمقر ديوان الوزارة. 


أما ممدوح عبد الفتاح، نائب رئيس الهيئة العامة للسلع التموينية السابق ورئيس الشركة القابضة للصناعات الغذائية الحالى، فيقول إنه لم يتم مراجعة ما تم توريده من القمح المحلى منذ أكثر من 20 عاما، مشيرا إلى أنه لم يتم استيراد الفمح منذ ثلاثة أشهر وتم غلقه مع بدء موسم توريد القمح المحلى منذ منتصف شهر أبريل الماضى، لافتا إلى أن ما يثار حول فطر "الأرجوت" في الصفقات التي قام باستيرداها بعض كبار تجار القمح لا علاقة للتموين بها وإنما من يستوردون لحسابهم الخاص وليس للتموين التي تعقد المناقصات من خلال البورصات العالمية لأسعار القمح.


وأوضح أن ما أثارته وزارة الزراعة حول فطر الأرجوت ليس مسئولية للتموين لأن الجهات المنوط بها الإفراج عن القمح هي الحجر الزراعى والهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات ووزارة الصحة وفطر الأرجوت موجود في جميع الأقماح سواء كانت من روسيا أو أوكرانيا أو فرنسا والولايات المتحدة لكن هو ينمو في المناطق الباردة المزروعة بالقمح ولا توجد الدرجة الصفرية في استيراد قمح خال تمامًا من الفطر وإن كانت وزارة الصحة أكدت أنه لا مخاطر من الفطر في بيان أرسلته للتموين حال الالتزام بالمواصفات القياسية المصرية.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية