خالد يوسف.. البرلمان.. والمعارك الخاسرة !
خالد يوسف ليس مجرد فنان مصرى، لكن مثقف عضوى على حد تعبير جرامشي، ذلك المثقف المنحاز لقضايا الجماهير، وهو أيضا المثقف الحقيقى على حد تعبير سارتر، ذلك المثقف الملتحم بالجماهير، والذي يبتعد خطوات عن السلطة الحاكمة، وبالتالى فهو مثقف لديه موقف ورؤية ومشروع جوهره هو تحقيق آمال وأحلام الفقراء والكادحين، ولقد استطاع خالد يوسف أن يوظف أدواته الفنية في خدمة مشروعه الفكرى والاجتماعى، فجاءت أفلامه لتنتصر للفقراء والكادحين والمهمشين في مواجهة سلطة حاكمة غاشمة تتبنى سياسات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية رأسمالية فاشية منحطة تساعد على اتساع الفجوة بين شرائح وفئات وطبقات المجتمع، مما يؤدى إلى استمرار عملية الفرز الاجتماعى، حيث الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقرا.
ومن هنا شكلت أفلامه مشروعا فكريا واعيًا يسعى إلى التغيير عبر عمليتى التنوير بالواقع المؤلم للفقراء والكادحين والمهمشين والتحريض على الثورة وعدم الخضوع والاستسلام للواقع المفروض فرضًا على هذه الجماهيــر، لذلك لا عجب أن تتنبأ أفلامه بثورة 25 يناير، ولا عجب أيضًا حين تجده في مقدمة الصفوف بين الجماهير في موجتى 25 يناير و30 يونيو، ولا عجب مرة ثالثة، حين تجده ضمن لجنة الخمسين التي صاغت الدستور، ولا عجب أن تجده ضمن من ترك عمله وفنه ليتفرغ للعمل السياسي ويترشح للبرلمان ليكون إحدى أدوات التشريع للفقراء والكادحين والمهمشين، ولينتصر لهم ويحقق آمالهم وأحلامهم في العيش والحرية والعدالة الاجتماعيــة، وهنا مربط الفرس.
وبالطبع لم يكن خالد يوسف وحيدا ومنفردا في موقفه ورؤيته ومشروعه المنحاز للفقراء والكادحين والمهمشين، لكن خالد هو أحد الكوادر لتيار رئيسي داخل النخبة المصرية، وعندما جاء موعد الاستحقاق التشريعي، كان هناك الكثيرون من هذا التيار قد عزموا على خوض الانتخابات، وكانت مشكلة البعض ومنهم خالد أنهم قرروا خوض هذه المعركة دون النظر لقواعد اللعبة، وكان خلافنا معهم أنهم لن يستطيعوا أن يصنعوا تغييرا حقيقيا لأنهم وفقا لقواعد اللعبة القديمة سيكونوا أقلية داخل البرلمان ولم يتمكنوا من تمرير مشروعات تخدم الفقراء والكادحين والمهمشين الذين يخوضون الانتخابات من أجلهم.
وفى هذا الصدد دار حوار بينى وبين خالد يوسف أثناء الانتخابات في حضور أستاذه الدكتور محمد أبو العلا والذي كان قد قرر هو أيضًا عدم خوض الانتخابات لعدم تغييــر قواعد اللعبــة التي ستمكــن رجال مبــارك وصبيانهم من مقاعد البرلمان، وساعتهــا قلت لخالد إن دورك من خلال فنك أفيد للجماهير من دخولك البرلمان؛ لأنك صنعت وعيا حقيقيا بضرورة التغيير والثورة عبر أفلامك، ولن تستطيع تحقيق ذلك من خلال البرلمان الذي ستكون أغلبيته من النظام القديم، لكنه راهن على أنه ومن سينجحون معه من تيارنا الفكري المنحاز للفقراء قادرون على صنع التغيير وكان تقديري أنهم لن يتجاوزوا عشرة مقاعد وكان هو أكثر تفاؤلا، وكان يعتقد أنهم سيحصلون على خمسين مقعدًا.
ونجح خالد ومعه عدد يقترب من توقعاتى، ورغم ذلك كان خالد ما زال يعتقد أنه قادر هو ومن معه على تحقيق أحلام الفقراء في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وجاء البرلمان بأداء باهت وهزيل، وفى بيان الحكومة الأخير وقف خالد يوسف متصديا لهم قائلا: "هناك ثورة قامت في 25 يناير، وكانت موجتها الأعظم في 30 يونيو 2013، وهناك دستور أقره الشعب المصرى في 18 يناير 2014، وأقسـم بالله أن البرنامج لا يمت بصلة لا لدستور ولا نصوصه ولا روحه، ولا للثـورة ومبادئها وأهدافها وروحها، هذا البرنامج لا يعرف شيئًا عن الفلاح ومأساته ولا العامل ومعاناته ومراراته، ولا المرأة وحقوقها، ولا الشباب ولا المعاقيـن وحقوقهم، ولا يعرف شيئا عن قسوة المرض وقهر الفقر، ولا بأشواق المصريين في دولة العدالة، ولا يمكن تسميته برنامجا؛ لأن الفكرة فيــه غائبــة والأولويات مرتبكة والخيال فقير وهو استنساخ رديء لبرامج حكومات ما قبل الثورة.. هناك معارك تخسرها وتشعر بالرضا لأنك خسرتها، وهذه المعركة أعلم أنى خاسـرها، لكن أقـول بكل فخر أنى أرفض برنامج الحكومة.
وبالطبع كنت ومازلت متأكدًا أن خالد يوسف ومن معه من نفس التيار المنحاز للفقراء سوف يخسرون كل معاركهم بحكم أنهم أقلية داخل البرلمان، وكنت ومازلت أرى أن خالد لو تفرغ لعمله الفنى لأفاد الفقراء والكادحين والمهمشين من خلال تركيزه على همومهم ومشكلاتهم والضغط بها على السلطـة الحاكمة، هذا إلى جانب تنوير الفقراء بحقوقهم وتحريضهم وتثويرهم من أجل المطالبة بها، لكن تظل تجربة خالد يوسف مهمة لضمان استمرارية خطه الفكرى الذي هو امتداد لتجربة خالد محيي الدين منذ أكثر من أربعين عامًا وعلينا جميعًا أن نبدأ معركة تغيير قواعد اللعبة قبل المشاركة فيها، لكن على خالد يوسف الآن أن يعود سريعًا لفنه لأنه يخوض من خلاله معارك رابحــة وليترك المعارك الخاسرة؛ لأنها لن تعود عليه وعلى الفقراء والكادحين والمهمشين بفائدة سواء شعر برضا أو عدم رضا.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.