«تركيع أردوغان».. قوات أمريكية خاصة أنقذت الرئيس التركي من مصير مرسي مقابل تنازلات بالجملة.. جهة مجهولة حذرت من انقلاب الجنرالات.. والأمن نقله إلى فندق «مارماريس» خوفا من قتله
ساعات عصيبة عاشتها الدولة التركية، تابع العالم من أقصاه إلى أدناه.. أحداث متسارعة متوقعة لكنها جاءت بشكل مفاجئ.. ما بين الانقلاب والتمرد العسكري ضجت المواقع بعناوين ذهبت إلى النهاية وأخرى أمسكت العصا من المنتصف وظلت مترقبة لنهاية مسرحية الساعات العشر.. حمل جنح الليل في مسقط رأس الخلافة العثمانية كوابيس وأحلاما وأسرارا.
انتظر الجميع معلومة واضحة وسط شلال أخبار متناقضة بين سيطرة الجيش وفشل الانقلاب، مع أول ضوء شمس لنهار السبت الماضى تكشفت الأمور وعاد أردوغان وحزبه الحاكم العدالة والتنمية إلى الحكم، بعدما ظلت معلقة في سماء الأمنيات بين حالم بسقوط مجموعة العثمانيين الجدد، وآخرون متخوفون من سقوطهم خشية المجهول بعدما رهنوا مشاريعهم المستقبلية بوجوده في سدة الحكم.
سقوط أردوغان
عمليًا وبالمفاهيم السياسية بعيدًا عن العواطف والأمنيات سقطت أسطورة الرئيس رجب طيب أردوغان.. ربما يشكك المتعاطفون في هذه الحقيقة الصادمة لكن مجريات الأحداث وعلى الرغم من فشل محاولة الانقلاب على حكمه، تثبت سقوطه وانتهاء مشروعه بعدما تصدع نظام حكمه أمام الرأي العام الداخلى والخارجى، وأصبح مستقبله مرهونا بمدى تمكن الدولة من ترميم شروخ جدار المؤسسات الأمنية، خاصة أن العملية الخاطفة قدمت الدليل القطاع على عدم التوافق الكامل عليه بالجيش المصنف في المرتبة العاشرة عالميا، علاوة على الصور المهينة لجنود الجيش التي نشرت في وسائل الإعلام عقب عملية الاعتقال والقبض التي تمت في صفوف عمود الدولة مصدر الفخر للدولة العثمانية منذ عهد الخلافة والشريك القوى في حلف الناتو.
خيوط الواقعة
الانقلاب العسكري الهادف للانقضاض على السطلة سيناريو قديم تم إعداده مسبقا، لم يأت بشكل مفاجئ كما يتصور البعض، وهو الأمر الذي دفع الجيش في وقت سابق إلى إصدار بيان رسمي أكد خلاله عدم نيته الانقلاب على النظام وأنه يدعم قرارات القيادة السياسية، البيان فسر إلى حد كبير ما يحاك للمستقبل واطلاع أجهزة المخابرات على مخطط فعلى يهدف إلى إسقاط الدولة قبل الرئيس.
المفاجأة الوحيدة في الأمر للمتابع العادي هو حدوثه بشكل مفاجئ وعشوائى وحمل أسرار خفية تؤشر على تورط جهات خارجية في الأحداث بهدف تركيع الدولة وإدخال رئيسها "بيت الطاعة" طواعية.. حزمة أسرار ليلة الانقلاب ومستقبل الدولة التركية كشفها لـ"فيتو" مصدر مقرب من حركة "فتح الله كولن" الذي حمل أردوغان مسئولية الأحداث.
جماعة كولن
في البداية شدد المصدر على أن جماعة "كولن" ليست لها أي ارتباط بما حدث ولم تخطط له كما اتهمها الرئيس التركى محذرا إياه في زيادة هوة الانقسام بين طبقات الشعب وغض طرفه عما يحدث حوله ويحاك له ولأنقرة في الخفاء، موضحا أن عملية الانقلاب العسكري حملت "بنك أهداف" دولية وتورطت فيها أجهزة استخبارات ناصبها النظام التركى العداء شملت روسيا وألمانيا وبريطانيا وسوريا وإيران وامتدت إلى أمريكا، وتناسى مقولة "الوطن باق والأشخاص زائلون" ليضع مستقبل أمة على المحك في صراعات إقليمية ودولية ودخل لعبة أوصلته للدخول من الباب الواسع لـ"بيت الطاعة" الأمريكى بعدما أنقذت حياته وحملته على طائرة جابت الأجواء في انتظار مصيره المجهول وأحدثت الوقيعة بينه وبين المؤسسة العسكرية.
خطة مار ماريس
بداية الساعات العصيبة بحسب المصدر، جاءت بعد تلقى المخابرات التركية ومؤسسة الرئاسة معلومات مؤكدة عن تحركات عسكرية داخل وحدات الجيش بهدف الاستيلاء على القصر الرئاسي والسلطة في الدولة، ما دفع القائمين على أمن أردوغان لنقله إلى ولاية موغلا غرب البلاد، ووضعه تحت حراسة مشددة بفندق "مار ماريس" خشية تعرضه للاغتيال في القصر الرئاسى الذي يصعب تأمينه بسبب مساحته الشاسعة، الأمر الذي أكد صحة المعلومات أن تحرك الوحدات العسكرية المتمردة قصد الفندق بهدف اغتيال الرئيس أو اعتقاله لإبعاده عن المشهد السياسي وضمانة عدم تواصله مع دول خارجية لإدانة الأحداث.
وبالفعل تم حصار "مار ماريس" ويبدو أن الطرف الخفى في الأحداث مثلما نقل المعلومة لمؤسسة الرئاسة ونصحها بنقل الرئيس، نقل أيضا المعلومة إلى الفصيل المتمرد ليبدأ الفصل الأول من أحداث الليلة العصيبة، ويبدو أن الطرف الذي عمل كساعى بريد بين الطرفين تدخل في الوقت المناسب لإمساك جميع خيوط اللعبة، وبعد ساعات من اشتباكات دامية في بهو الفندق وخارجه تدخلت قوات أمريكية خاصة حسمت المعركة لصالح حياة "أردوغان" ونقلته على متن طائرة وسط حماية مقالات "أف 16 " أمريكية جابت به سماء أوروبا لحين اتضاح المشهد في البلاد وتكبيله بجميل إنقاذ حياته لإجباره على تقديم تنازلات بالجملة في المستقبل حال عاد إلى السلطة، وما عزز صحة هذه المعلومة هي التصريحات التي أدلى بها جنرال أمريكى لـ"رويترز" حول مسار طائرات الرئيس التركى التي جابت أجواء أوروبا بعدما رفضت ألمانيا السماح لها بالهبوط ولم يقبله هولاند أيضا استكمالا لدرس التأديب في الجو وكسر شوكة أردوغان أمام القوى الغربية.
توافق دولي
الغرب بارك الانقلاب بشكل مقنع ونقل للجنرالات مباركته الأمر.. هكذا استكمل مصدر "فيتو" سرد تفاصيل الليلة الملبدة بغيوم الأسرار، كاشفا أن الأحداث تمت بموافقة أعتى أجهزة المخابرات الغربية ونقلت لجنرالات الثورة تأييدها لهم في الانقلاب على النظام واضعة لهم حزمة مستقبلية تدخلهم "بيت الطاعة" أيضا لضمان نجاح العملية سواء رحل أم ظل أردوغان في السلطة، وهو الأمر الذي كشفه بيان الجيش في بداية الأمر بإعلانه عن التزامه بجميع العلاقات مع الدول الأجنبية لبعث رسالة تأكيد للالتزام بالشروط.
سقوط أردوغان
أضاف المصدر، فشل الانقلاب العسكري وسقط أيضا أردوغان وانتهى المشروع التركى في المنطقة للأبد، قاصدا من هذه العبارات إيضاح ما وصلت له الأوضاع في البلاد بعد 10 ساعات عصيبة، معتبرًا أن الرابح الأكبر من الصدام الآن هي القوى الغربية التي أوضحت للرئيس التركى أن منصبه وحياته الشخصية أصبحت مهددة في أي وقت ومرهونة برضا الجانب الغربى عليه لمعاقبته على ابتزاز أوروبا بملف تصدر لاجئ سوريا عبر بحر إيجة واشتراطه حصوله على مبالغ مالية طائلة مقابل ردم النهر البشري الذي يصدره إلى القارة العجوز واشتراطه أيضا الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي ضمن بنود الصفقة، وهى شروط جعلت قادة الغرب يشعرون بالتململ من عجرفة النظام في أنقرة.
عداء الأنظمة الغربية لم يتوقف عن حدود أوروبا بل عبر الأطلسى ليصل إلى الإدارة الأمريكية، وتوهم أردوغان أن امتلاكه تلابيب الملف السوري يجعله قادرًا على لي ذراع أبناء العم سام، الآن وبعدما ظلت حياته معلقة في سماء أوروبا لساعات وفضح الأمر عبر وسائل الإعلام الغربية انتهى عصر مقايضة أردوغان للغرب ويقف الآن في ركن الخوف متلقيا للأوامر والتعليمات الواردة في الباب العالى في جميع الملفات.
جيش محمد
المكسب الثانى من انقلاب الساعات القليلة، هو انتهاء أسطورة الجيش التركى المصنف في المرتبة الـ 10 عالميا وحامل لقب "جيش محمد" نسبة إلى الرسول الكريم، وإهانة الجيش حسب كلام المصدر في الصور التي نشرت لعمليات القبض على عناصره على يد الشرطة التركية ومعاونة حشود شعبية وتجريدهم من ملابسهم، وهو ما يعد هزيمة نفسية كبرى لقوة عسكرية تعد الثانية بعد أمريكا داخل حلف شمال الأطلسى "الناتو".. وخلقت صراعا وأزمة ثقة سوف تظل قائمة لعقود ويصعب معالجته بين المؤسسة الأمنية داخل البلاد، واتسعت الهوة أيضا مع مؤسسة الرئاسة ودخول البلاد في "صراع مؤسسات" لا يحمد عقباه مستقبلا.
واعتبر أن اعتقال نحو ثلاثة آلاف جندي بينهم جنرالات وقادة كبار، ليس بالرقم الهين والمتعاطف مع النظام داخل المؤسسة العسكرية الآن سوف ينقلب عليها بسبب التنكيل بزملائه وإهانتهم أمام الرأي العام لتظل ورقة الانقلاب العسكري قائمة وربما تكون أكثر دموية في المستقبل أو على الأقل اللجوء إلى العصيان وعدم تنفيذ المهمات والتكليفات، الأمر الذي يعد أكثر خطورة على الدولة من الانقلاب.
تفكيك الجيش التركى ربما يكون مقدمة لتكرار سيناريوهات حدثت بالجوار مثل العراق وسوريا واليمن وغيرها، لتتحول تركيا من دولة في نادي الكبار إلى دويلات صغيرة كردية وعلوية وسنية وتسقط في مستنقع حرب أهلية لعقود في ظل تفكك المؤسسة العسكرية وانضمام كل جندي لطائفتها للدفاع عنها انتقاما للإهانة ولمعاقبة النظام بشكل شعبى.
المشروع التركى
في ظل غياب المشروع العربى وهيمنة المشروع الإسرائيلى والفارسى على المنطقة.. كان المشروع التركى يعد صمام أمان لدول المنطقة رغم الخلافات مع بعض العواصم مثل دمشق والقاهرة.. لكن بحسب المصدر دخول تركيا في دوامة الانقسام الداخلى داخل المؤسسات الأمنية وهواجس الانقلاب الداخلى سوف يغيبه عن الدور الخارجي، ويحجب وجهة نظرها في الملفات المهمة ليغرد المشروع الإسرائيلى منفرد أمام المشروع الإيرانى دون منافس بإشراف أمريكى على المشروعين طبقا للصفقات المعلنة والسرية التي تتم الآن على حساب الأمة الإسلامية وخاصة الدول السنية والتي تعد امتدادا من وإلى الأمة التركية.
الظهير الشعبى
وحول الظهير الشعبى الحامى للرئيس والذي أنقذه من براثن الانقلاب العسكري في اللحظات الأخيرة قبل السقوط، رأى المصدر أن سلوك إدارة أردوغان خلال الفترة المقبلة سوف يتسم بالعصبية المفرطة وتغليظ العصا الأمنية على جميع الفئات خشية التعرض لمحاولة انقلاب جديدة أو اندلاع ثورة شعبية، وهو الأمر الذي من شانه أن يصدع علاقة الرئيس بالشعب ويخصم من رصيدها خلال أعوام حكمه المتبقية، وهنا يجب إلا ننسى أن جنود الجيش الذي تم اعتقالهم والمتوقع بمعاقبتهم بأحكام مشددة سوف تثير حالة استياء وسط أسرهم وعائلاتهم ومحيطهم الاجتماعى، لينتقل الصراع بالتبعية من المؤسسة العسكرية إلى صفوف المدنيين، الأمر القادر على تصدير دعاية سلبية ضده بالشارع تخصم من رصيده الشعبى مع مرور الوقت، وهنا يجب الإشارة أيضا إلى أن خروج صراع المؤسسات إلى العلن بهذا الشكل سوف يلحق بالغ الضرر بالدولة المدنية ويمهد لانقسام مجتمعى في ظل انحياز متوقع من الرئيس لمناصريه ومؤيدي حزبه أمام الانقلاب العسكري الذي فشل بسبب عدم التوافق داخل المؤسسة العسكرية وليس بسبب التظاهرات الشعبية كما تروج وسائل الإعلام.
روشتة علاج
وحول الروشتة العاجلة لمعالجة الشرخ المجتمعى الذي تحدث عنه المصدر والمستقبل القاتم الذي رسمه للدولة، شدد على أن هناك خطوات عاجلة يجب اتخاذها الأمس قبل اليوم بهدف احتواء الأزمة في مهدها قبل انتشارها كالسرطان ينهش في جسد الدولة، متمثلة في ضرورة مصالحة مجتمعية شاملة مع جميع فئات المجتمع بمن فيهم الأكراد بشكل خاص، والتراجع عن فكرة وضع دستور يرسخ لنظام رئاسي وتراجع "أردوغان" خطوات إلى الخلف وترك الساحة للحكومة المشكلة من البرلمان والتي تمثله أيضا وتحمل أجندته ما يعنى عدم تكبده خسائر، وأخيرا احتواء المؤسسة العسكرية واحتواء جميع عناصرها سواء الرافضة أو المؤيدة بهدف ردم هوة تشكل خطورة على مستقبل قوة تركيا العسكرية تضمن حمايته إقليميا وتصون كرامتها دوليا.
ولفت في سياق العلاج السريع أيضا إلى ضرورة انسحاب تركيا بشكل مؤقت من الملفات الإقليمية التي تفتح شهية أجهزة الاستخبارات للتدخل في الشأن الداخلى بهدف إيقاع الدولة في أتون حرب أهلية كبرى تنهى مسيرتها وتجعله في صورة رجل العالم المريض وليست رجل أوروبا المريض فقط.
العلاقات مع أمريكا
المصدر شدد على أهمية الوعى الكامل في الداخل التركى بالدرو المشبوه الذي قامت به أمريكا في الأزمة التي أججت الصراع ووفرت الحماية لأردوغان، وأخرجت المقاتلات من قاعدة "أنجرليك" لتنتهك سماء الدولة وتسقط طائرات جيشها بمباركة القيادات، ووقفت موقف المتربص من الأحداث لحين انتهاء الأمر واختيار الكفة الراجحة واستكمال فصول مؤامرة لن تتوقف قبل دفع تركيا التاريخ والأرض والشعب إلى مصير دول الجوار العربي.
"نقلا عن العدد الورقي..."