أدلة براءة «أردوغان» من «تمثيلية الانقلاب»!
كان الفريق حسين فريد -رئيس الأركان- موجودًا بمبنى رئاسة الجيش بكوبري القبة، فقد بلغته الأنباء بحركة الضباط الأحرار، فاجتمع فريد في منتصف ليلة 23 يوليو بكبار القيادات، وانتهز يوسف صديق الفرصة، فاقتَحم هو وجنوده مبنى رئاسة الجيش، وتم اعتقال رئيس الأركان الموالي للمك فاروق.
تحركت المدفعية، وسلاح الفرسان، وحوصرت المنطقة من الخليفة المأمون إلى منشية البكري، واعتُقلَ الضباط غير الموثوق فيهم، وحاصرت قوة أخرى المطارات، وسيطرت سرايا من الجيش على حديقة الأزبكية والمرافق العامة بالقاهرة، مثل: التلغرافات، والتليفونات، والكباري المهمة.
في الساعات الأول من صباح يوم 23 يوليو، تم السيطرة على الإذاعة الرئيسية بشارع الشريفين، ومحطات الإرسال في "أبو زعبل".. وفي السادسة صباحًا سيطرت الطائرات الحربية التابعة للضباط الأحرار على سماء مصر كلها.. وفي الساعة السابعة والنصف صباحًا ألقى السادات البيان الأول للثورة؛ تزامنًا مع محاصرة بعض القوات لقصر رأس التين في الإسكندرية، حيث يقيم الملك، الذي اضطر في النهاية إلى التنازل عن العرش.
ما سبق كان فقرات من كتاب «قصة ثورة يوليو»، لأبرز مؤرخي الثورة، أحد الضباط الأحرار «أحمد حمروش».. فالتخطيط الجيد، والتنفيذ الدقيق، والتحرك كتلة واحدة، وقبل كل ذلك التوفيق من الله، أساس نجاح أي تحرك عسكري، أو ثوري.
نترك مصر ونذهب إلى تركيا؛ لنسأل: هل دبر أردوغان هذا «الانقلاب»؟
البعض تبنى الإجابة بـ«نعم»، خاصة أولئك الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة، ويخلطون بين الانقلاب على الديمقراطية، و«شماتتهم» -على طول الخط- في أردوغان؛ لتطاوله على النظام المصري.. وبنى هؤلاء فرضياتهم على عدة أمور، لا مجال لتكرارها الآن.
وللأسف الشديد، هؤلاء هم الذين روَّجوا -في بداية الانقلاب- أن المخابرات المصرية هي التي خططت لهذا التحرك العسكري؛ للتخلص من الرئيس التركي الإخواني، قبل أن يهديهم شيطانهم إلى أن الانقلاب مجرد «تمثيلية» من تأليف وإنتاج وإخراج أردوغان!
والذين يصدقون أن الانقلاب التركي «تمثيلية أردوغانية»، هم أنفسهم الذين يصدقون أن كيلو «الأرز» بـ«4 جنيهات»، و«اللحمة» بـ«35 جنيها».. ويصدقون أن حصول «إسرائيل» على عضوية الاتحاد الأفريقي دليل «نجاح النظام المصري».. ويصدقون أن «سد النهضة» لن يؤثر على حصة مصر من المياه.. ويصدقون أن ارتفاع الأسعار يخدم المواطن.. ويصدقون أن «تيران وصنافير» ملك للسعودية.. إلخ!
مرة أخرى نعود إلى السؤال: هل كان انقلاب عناصر من الجيش التركي «تمثيلية أردوغانية»؟
لا يوجد عاقل يتبنى هذه «السخافة»، فمعظم الشواهد، إن لم تكن كلها، تثبت -بما لا يدع مجالًا للشك- أن تحرك بعض وحدات الجيش كان «انقلابًا صريحًا» على أردوغان.
ولا نبالغ حينما نقول إن استخبارات بعض القوى الغربية كانت على علم بهذا الانقلاب، وربما باركته باعتبارها إحدى الدول المؤسسة لحلف شمال الأطلنطي «ناتو».. وإلا، بِمَ نفسر إغلاق فرنسا سفارتها في أنقرة، وقنصليتها في إسطنبول يوم الأربعاء، أي قبل الانقلاب بيومين؛ حتى إشعار آخر؛ مرجعة ذلك إلى «دواعٍ أمنية»؟ http://www.vetogate.com/2274128
أيضًا، بِمَ نفسر نشر وكالات إخبارية عالمية تصريحات منسوبة إلى اليونان، وألمانيا، والولايات المتحدة، تؤكد رفض هذه الدول السماح بهبوط طائرة أردوغان في مطاراتها، أو استقباله، بينما لم يغادر أردوغان الأراضي التركية؟
ولا أعتقد أن «أردوغان» مهما كانت درجة غبائه، لن يخاطر بمستقبله السياسي، ويغامر بحياته، ويُضحي بأرواح المئات من شعبه؛ من أجل «تمثيلية» يسهل اكتشافها، وفضح أطرافها أمام العالم كله.. فنحن في عصر السماوات المفتوحة، التجسس الصريح، وأي «تمثيلية»- مهما كانت حبكتها- سيسهل اكتشافها، وفضح أطرافها أمام العالم كله؛ خاصة وأن هناك عشرات المتربصين بأردوغان، إقليميًا ودوليًا.
إذا كان الانقلاب «تمثيلية»، فلماذا قُتل أكثر من 300 ما بين عسكريين ومدنيين في اشتباكات بين المؤيدين والمناوئين لأردوغان؟ وما الداعي لاعتقال أكثر من ثلاثة آلاف عسكري، وقاضٍ، وصحفي؟ ولماذا يصمت المعتقلون وهم يعرفون أن «الإعدام» مصيرهم؟
ثم -وهذا هو الأهم- لماذا لم يعترف الذين هربوا إلى اليونان بحقيقة «التمثيلية»، بعد تسليمهم إلى السلطات التركية؟ لماذا لم يستدعوا بعض وسائل الإعلام ويعترفون أمامهم أن «الانقلاب» مجرد «خدعة» تمت بالاتفاق مع أردوغان؛ خاصة وأن مصير هؤلاء معروف؟
إن المعلومات الأولية للانقلاب التركي تشير إلى تورط العديد من قادة الأسلحة، ونحو ثلث قوات الجيش، وآلاف القضاة وبعض قيادات جهاز الشرطة، ما يعني وجود المكونات الأساسية لأي انقلاب، ولولا مجموعة عوامل مجتمعة لكان أردوغان في خبر كان.
أعتقد أن أي رئيس مكان «أردوغان» سوف يستغل فشل الانقلاب في تثبيت أركان حكمه؛ لكن الخوف -كل الخوف- أن يعمد إلى تعديل الدستور بما يسمح له باستمراره في الحكم مدى الحياة، واتخاذ إجراءات استثنائية لإعدام المنقلبين عليه، والتخلص من خصومه، واعتقال معارضيه، وزيادة القيود المفروضة على الحريات... إلخ.
أما الإعلاميون أو السياسيون المصريون الذين ينتقدون انتقام «أردوغان» من «الانقلابيين»، فما علينا إلا أن نذكرهم بأن هناك قضاة عُزِلوا.. ورجال أمن فُصِلوا.. وصحفيين، ومحامين، وسياسيين، وأساتذة جامعات سُجنوا.. ومئات قُتِلوا بعد الثالث من يوليو 2013 بتهمة الانضمام إلى «جماعة إرهابية»، وليس «تدبير انقلاب». أنسيتم ذلك؟!
******
فاصلة منقوطة
هناك مَنْ يبحث عن أخطاء الآخرين، ليس لتصويبها؛ بل ليثبت لنفسه أنه ليس «الحمار» الوحيد!