رئيس التحرير
عصام كامل

ختم النسر


يحتل "ختم النسر" مكانة مرموقة في حياتنا اليومية في أجهزة الحكومة بالذات..وأعتقد أن أهم شيء في حياة موظف الحكومة هو "ختم النسر"، لدرجة تقترب من التقديس.. فلا يكاد يتم أمر، ولا تنجز خطوة، ولا تقضى مهمة إلا بعد أن تمهر بهذا الختم.. وهناك العديد من التوقيعات والأختام التي تمهد لنيل بركته.


إنه رمز البيروقراطية في بلادنا، وأحد أخطر نتائج "فوبيا التزوير" التي تجتاح دهاليز الدولة، ويعتقد من بيده أمر هذا الختم أن "النسر" كفيل بمنع التزييف والتحايل تماما.. لكن ما يحدث في الواقع هو على العكس تماما.. فالكثير من الأوراق تتعرض للتزوير.. حتى الشهادات الجامعية، وشهادات الماجستير والدكتوراه، والخدمة العسكرية، والأحكام القضائية، والتقارير الطبية... وغيرها كثير.. وكلها ممهورة بـ "ختم النسر".. فلماذا إذن نلجأ لتعقيد الأمور، وزيادة جرعة "الروتين" التي توشك أن تدمر حياتنا، وتجعلنا نتعذب من أجل إنجاز مطلب بسيط؟!

لماذا لا يتم إلغاء هذا الختم اللعين؟! هل ستتوقف الحياة؟! هل ستعترض المنظمات الدولية على هذه الخطوة الجريئة؟! فكروا قليلا ستكتشفوا أن الحياة ستتغير للأفضل، وسيمثل ذلك قفزة هائلة من أجل التخفيف من حدة البيروقراطية التي تكبل تحركاتنا.

أكتب هذا المقال.. بعد رحلة مضنية مع تجربة، كان من المفترض أن تكون شديدة السهولة، لولا "ختم النسر".. بهدف تحويل ابني وابنتي التلميذين بالابتدائي إلى مدرسة أخرى.. البداية كانت من المدرسة الأصلية بعين شمس، حيث استخرجت طلبين، كل منهما أصل وصورة.. ثم توجهت إلى مدرسة في منطقة حلمية الزيتون تسمى "البشري"؛ لاستخراج بيان نجاح.. حصلت على ختم مربع ضخم.. ثم طلبوا حوالة بريدية بـ 28 جنيها لصالح إدارة عين شمس التعليمية عن كل طلب.. مكاتب البريد التي يزعمون تطويرها صارت قطعة من جهنم، بسبب رتابة العمل بها، وبطء الموظفين، وسوء تعاملهم مع الجمهور.. في ذلك اليوم كانت المكاتب مكتظة بأصحاب المعاشات لصرف مستحقاتهم.. وأخيرا نجحت في إنجاز المهمة بأحد مكاتب "وسط البلد".

في اليوم الثاني توجهت بالحوالتين، وكلي أمل في إنهاء المهمة، الممثلة في "بيان النجاح".. في "البشري" أبلغني الموظف بضرورة التوجه إلى مدرسة "أمير الشعراء" بعد أن دون البيانات في دفتر ضخم لديه، طلبت الموظفتان في مدرسة "أمير الشعراء" تصوير ورقة عدة نسخ؛ لأن الماكينات بالمدرسة معطلة.. وبعد قليل استلمت بيان النجاح، الممهور بختم بيضاوي، ووقعت على الصورة "بالكربون" باستلام الأصل.. ابتهجت كثيرا، لكن زالت سعادتي بقول الموظفة: "حضرتك ها تروح بكرة مدرسة "الأنصار"..

وتساءلت بغضب: "ليه؟! ما أنا أخدت كل التوقيعات والأختام؟!".. أجابت في براءة: "لسة فاضل ختم النسر".. "وليه مش عندكم ختم نسر هنا؟!".. "وزارة المالية رافضة".. و"إيه علاقة المالية بيكم وبالنسر؟!".. "ختم النسر ده مسئولية وزارة المالية"!

كدت أفقد أعصابي.. خاصة بعد أن عرفت أن عليّ، بعد الانتهاء من ختم النسر أن أعود إلى مدرسة البشري للمرة الثالثة، لأحصل على ختم بيضاوي.. كل تلك الإجراءات لابد أن تتم دون أن أضمن موافقة المدرسة التي أستهدف نقل التلميذين إليها!

إذا كنا نتكلم عن ضرورة إنشاء نظام "الشباك الواحد" لتيسير الاستثمار، فقبل ذلك لابد من تطبيق نظام الجهة الواحدة، أو المبنى الواحد لإنهاء الإجراءات الروتينية في المدارس؛ حتى لا يتعذب أولياء الأمور.. أخشى ما أخشاه أن ترفض وزارة المالية وجود "ختم النسر" في المبنى المقترح.. أو أن يأتي الرفض من "النسر" نفسه، فلربما يستكبر أن يجتمع في مكان واحد مع الختم البيضاوي، والدائري، والمربع.

قبل مواجهة فضيحة التسريبات، واجهوا خطة "دوخيني يالمونة" التي تتبعها الإدارات التعليمية مع أولياء الأمور.. خففوا من كثافة الأختام في تعاملاتنا، سيما "ختم النسر".
الجريدة الرسمية