رئيس التحرير
عصام كامل

لا حياة لفقير في وطنه


هل يمكن أن ننكر أن نسبة الفقر زادت.. هل يمكن أن ننكر أن أعداد الفقراء ومن هم تحت خط الفقر تتزايد عامًا بعد عام.
 
أعتقد أنه لا يمكن لأي عاقل ولا لأى منصف أن ينكر هذه الحقيقة.


ولكن يبدو أن حكوماتنا الموقرة، ولا أستثنى منهم أحدًا، لا تعرف ذلك أو تتجاهل هذه الحقيقة منذ الانفتاح الاقتصادى أو التسونامى الاقتصادى الذي اكتسح في طريقه ومازال ملايين البسطاء من المصريين بفضل السوق المفتوح وموجات رفع الأسعار التي لا تعرف لا رابط ولا ضابط.. والتي تتم باسم اقتصاد السوق أو الاقتصاد الحر.. والذي يعنى عدم تدخل الدولة في الأنشطة الاقتصادية وترك السوق يضبط نفسه بنفسه.. وهو ما يعنى أيضًا ألا تقوم بأى نشاط اقتصادي يستطيع فرد أو مجموعة أفراد القيام به.. مما أوقع الاقتصاد في أيدي حفنة من المحتكرين يتحكمون في ارتفاع الأسعار وحجتهم الدائمة ارتفاع سعر الدولار وانخفاض سعر الجنيه وبما أننا دولة تعتمد على الاستيراد أكثر من الإنتاج المحلى وهذا أيضًا بفعل السادة المستوردين أصحاب المصلحة في تدنى مستوى الإنتاج ليرتفع الطلب على الاستيراد مما يعنى انتفاخ جيوبهم وتراكم أرصدتهم في البنوك. 

والغريب أن الحكومات المتعاقبة تركت الأسواق والأسعار نهبًا للسادة المستوردين والمحتكرين مما أوقع المواطنين بين أنياب لا تشبع.. والغريب في الأمر أن الحكومات بدلًا من أن تتدخل بسياساتها لضبط الأسواق وضبط الأسعار ومواجهة الاحتكار تلجأ هي أيضًا بنفس حجة المحتكرين إلى رفع سعر الخدمات مما أوقع المواطن بين مطرقة المحتكرين وسندان الحكومة.. وكلاهما لا يعنيهما لا الطبقة المتوسطة التي انقرضت ولا الفقراء ممن يتزايد أعدادهم عامًا بعد عام بفضل سياسة الاقتصاد الحر.. أو اقتصاد السوق الذي ثبُت بما لا يدع مجالًا لأى شك في أنه لا يصلح لدولة يُعانى فيها المواطن للحصول على قوت يومه بسبب سياسات اقتصادية فاشلة.. تعمل لصالح الأغنياء وتتجاهل الفقراء.. وكأن الفقير لا حق له في وطنه ولا حق له في عيشه كريمة في وطنه. 

قديمًا قال الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه: "لو كان الفقر رجلًا لقتلته"، هذه العبارة التي قالها عبارة عابرة للزمان والمكان.. وصالحة لكل زمان ومكان.. وقتل الفقر في أي زمان أو مكان أو في أنصاف الفقير أو إتاحة الفرصة له ليعيش كريمًا.

وحديثًا قال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وهو يتحدث عن العدالة الاجتماعية "بيقولوا الفقراء ليهم الجنة..يعنى ما لهمش نصيب في الدنيا" كان هذا منطلقه في تطبيق سياسة العدالة الاجتماعية التي وصفها جمال مبارك رئيس لجنة السياسات للحزب الوطنى المنحل "سياسة عدالة توزيع الفقر".. لقد فهمها جمال عبد الناصر أن الفقير من حقه أن يعيش مكرمًا في وطنه في حين فهمها جمال مبارك أنها تعنى تعميم الفقر وشتان بين وجهتى النظر.

فالأولى تنحاز للفقراء وحقهم في الحياة في حين الثانية تنحاز للأغنياء على حساب الفقراء.. هذه السياسة التي مازالت سائدة بشكل أو بآخر رغم سقوط الحزب الوطنى ورغم 25 يناير و30 يونيو.. رغم ثورتين كما يقول كثيرون ما زال الفقير يعانى وما زال محرومًا من العيش الكريم..ومازال الأغنياء يزدادون غنًا والفقراء يزدادون فقرًا وتتزايد أعدادهم..وذلك لأن الحكومات عاجزة عن التصدى للمستوردين والمحتكرين..عاجزة عن تطبيق قانون منع الاحتكار وتترك الأمر في يد حفنة من المستوردين تتحكم في السوق على حسب أهوائهم ومطامعهم.

للأسف الشديد حكوماتنا المتعاقبة أسقطت الفقراء من حساباتها.. وتركتهم نهبًا لغيلان الاستيراد والتجار.. ووقفت تشاهدهم وهم يتساقطون عامًا بعد عام تحت وطئة الأسعار التي ترتفع باستمرار إلى حدود فاقت كل وصف.
الجريدة الرسمية