حيثيات حكم أحقية «القومي للاتصالات» في تحديد أسعار دقائق المحمول
أودعت محكمة القضاء الإداري الدائرة الأولى برئاسة المستشار يحيى راغب دكرورى نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس محاكم القضاء الإداري، اليوم الثلاثاء، حيثيات حكمها بأحقية الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في تحديد الأسعار بين شركات المحمول بعضها البعض حال غلوها دون أن تستقل تلك الشركات بتحديد الأسعار فيما بينها مع إشراف الجهاز على نشاط تلك الشركات بما يضمن الحيلولة دون الإضرار بالمستهلك.
وقالت المحكمة في حكمها: إن الرقابة القضائية تستهدف صالح جمهور مستخدمي المحمول والتوازن مع مصالح تلك الشركات دون زيادة غير مبررة في الأسعار مراعاة للبعد الاجتماعي للمستهلك الطرف الأضعف في العلاقة مع شركات الاتصالات، وإن جودة خدمات الاتصالات ومناسبة الأسعار من العناصر المتغيرة الخاضعة للمعايير التقنية والاقتصادية الحاكمة.
وقضت المحكمة بتأييد القرارين الصادرين من الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات فيما تضمنه من تحديد أسعار الترابط بين شركة أورانج مصر للاتصالات، وكل من شركة فودافون مصر واتصالات مصر، والشركة المصرية للاتصالات دون تحميل العبء على جمهور مستخدمى خدمة الاتصالات.
وأكدت المحكمة أن المشرع حرصًا منه على تنظيم مرفق الاتصالات، تقديرًا لأهميته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية أنشأ هيئة قومية تقوم على شئونه، أصل عليها اسم "الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات" تهدف إلى تنظيم هذا المرفق وتطويره، ونشر جميع خدماته على نحو يواكب أحدث وسائل التكنولوجيا، ويلبى جميع احتياجات المستخدمين بأنسب الأسعار، ويشجع الاستثمار الوطنى والدولى في هذا المجال في إطار من قواعد المنافسة، لضمان جودة خدمات الاتصالات المقدمة وتحقيق برامج الكفاءة الفنية والاقتصادية لمختلف هذه الخدمات، وضمان وصولها إلى جميع مناطق الجمهورية، مع الحرص على حماية الأمن القومى والمصالح العليا للدولة، وسد المشرع للجهاز في سبيل تحقيق أهدافه مباشرة جميع التصرفات والأعمال اللازمة لذلك، منها قيام الجهاز بوضع القواعد التي تضمن حماية المستخدمين بما يكفل سرية الاتصالات وتوفير أحدث خدماتها بأنسب الأسعار مع ضمان جودة أداء هذه الخدمات.
وأضافت المحكمة أن المشرع اختص مستخدمى خدمات الاتصالات بالحماية، إلا أنه في ذات الوقت لم يغفل مراعاة حقوق مقدمى خدمات الاتصالات، وإنما وازن في هذا الشأن بين حقوق الطرفين، وأن عنصرى لزوم توافر جودة خدمات الاتصالات المقدمة ومناسبة الأسعار التي تقدم بها من العناصر المتغيرة بحسب ما تقتضيه المعايير التقنية والاقتصادية الحاكمة، ومن ذلك تغيير أسعار الأجهزة والآلات والمعدات وغيرها من عناصر البنية الأساسية اللازمة لتقديم الخدمة وتغيير مواصفاتها التقنية، في ضوء من التطور المذهل في التكنولوجيا، وهو ما يوجب على جهاز تنظيم الاتصالات رقابة تحديد السعر المناسب للخدمة أو التحقق من ذلك عند إصدار الترخيص، أو عند إبرام اتفاقية الترابط أو الانضمام إليها، ويقع على عاتقه واجب دائم لا فكاك منه يمتنع عليه التخلى عنه أو التفريط فيه، يتمثل في ضمان استمرار جودة خدمات الاتصالات المقدمة لمستخدميها والمستفيدين منها، وأن يكون تقديمها بسعر مناسب، واضعًا نصب عينيه حماية حقوق هؤلاء المستخدمين باعتبارهم الطرف الأضعف في العلاقة مراعاة للبعد الاجتماعى، نزولًا على مقتضيات أهمية خدمات الاتصالات ولزومها في العصر الحديث.
وذكرت المحكمة أن السلطة المعقودة قانونًا للجهاز القومى لتنظيم الاتصالات للتحقق من جودة خدمات الاتصالات للمستخدمين وبأنسب الأسعار، ليست سلطة تحكمية مطلقة يمارسها الجهاز حسب هواه دون ضابط، وإنما يجب أن يجرى ذلك وفق الضوابط والمعايير التقنية والاقتصادية وغيرها من الضوابط والمعايير المعمول بها، وما يطرأ عليها من مستجدات وتطورات تقتضى التدخل، وذلك تحت رقابة القضاء، كما أن سلطة الجهاز في التدخل في تعديل أسعار الترابط أو التحقق من مناسبتها ليست مرتبطة بحدوث نزاع بين أطراف اتفاقية أو اتفاقيات الترابط التي سبق للجهاز اعتمادها، وإنما هي سلطة يستمدها من القانون مباشرة بحسبانه القوام على ذلك المرفق الحيوى يمتنع عليه التخلى عنها أو التراخى في ممارستها، ولا يحجبه عن أداء هذا الدور اتفاق مقدمى خدمات الاتصالات مع بعضهم البعض على أسعار الترابط، لأنها متغيرة بتغير العناصر المحددة لها، وأن ثمة طرف آخر وهو المستفيد من الخدمة له حق يتعين على الجهاز حمايته، يتمثل في حصوله على خدمات الاتصالات على ذات الشبكة أو على شبكة أخرى بأسعار مناسبة، وبالتالى فإن ما تتضمنه اتفاقيات الترابط بين الشركات بتحديد سعر الترابط لا تمثل قيدًا على سلطة جهاز تنظيم الاتصالات ولا تحرمه من حقه في تعديل أسعار الترابط إذا طرأ من الموجبات ما يقتضى ذلك نتيجة تغيير العناصر المحددة لها.
وأوضحت المحكمة أنه لا ينال من ذلك قول شركات الاتصال بأن السماح بتدخل جهاز تنظيم الاتصالات في تعديل أسعار الترابط دون ارتباط ذلك بقيام نزاع بين طرفى أو أطراف اتفاقية أو اتفاقيات الترابط يتعارض مع مبدأ المنافسة ومبدأ سلطان الإرادة، فذلك مردود عليه بأن حرية المنافسة تقررت لتصب في صالح متلقى الخدمة وليس العكس، والجهاز رقيب على ذلك، كما أن مبدأ سلطان الإرادة تنحصر حدوده بين أطراف العقد أو الاتفاقية، فلا يتعداها إلى تحميل الغير بأعباء، وإنما وضع حدود لهما تحقيقًا لغاية مشروعة، وهى حماية حقوق المستفيدين من خدمات الاتصالات حتى لا يقعوا فريسة سهلة أو لقمة سائغة لمقدمى هذه الخدمات بأن ناط بالجهاز التحقق من مناسبة أسعار تقديم خدمات الاتصالات على عمومها، بما في ذلك أسعار الترابط.
واختتمت المحكمة حكمها الهام لصالح جمهور مستخدمى الهاتف المحمول أن المشرع لم يفرض على جهاز تنظيم الاتصالات اتباع وسيلة دون غيرها للتحقق من مناسبة أسعار خدمات الاتصالات، ويدخل في ذلك أسعار الترابط، ويكون للجهاز اتباع أي من الوسائل التي يراها كفيلة بالوصول إلى النتيجة المعبرة تعبيرًا صادقًا عن تحقيق هذا التناسب في حياد تام يكفل التوازن بين طرفى العلاقة من مقدمى الخدمة من ناحية والمستفيدين منها من ناحية أخرى التزامًا بالضابط الذي وضعه القانون أساسًا لإقامة هذا التوازن ومن ثم يكون قرارى جهاز الاتصالات فيما تضمناه من الرقابة وتحديد سعر الترابط أو تحديد هذا السعر بين شركة أورانج مصر للاتصالات وغيرها من الشركات المنصوص عليها في هذين القرارين مطابقين لحكم القانون.