رئيس التحرير
عصام كامل

أزمة ذكاء سياسي!


يعتبر البعض أن أكبر أزمة سياسية نعاني منها هي ضعف الكيانات الحزبية الكثيرة الموجودة في بلادنا، وهو الضعف الذي كشفت عنه نتائج الانتخابات البرلمانية بوضوح، غير أنني وبعد متابعة مستمرة لأحوالنا السياسية أرى أن الأزمة السياسية الأكبر لدينا هي أزمة ذكاء، أو النقص الحاد في الذكاء للمنخرطين في العملية السياسية، فنحن ليس لدينا مثلا معارضون أذكياء مثلما ليس لدينا أيضًا مؤيدون أذكياء، وهذا النقص في الذكاء يلحق الأذى بحياتنا السياسية، ويضر بأي جهود للارتقاء بهذه الحياة.


فنحن لدينا فئة من المؤيدين منزوعي الذكاء الذين هم يضرون من يؤيدونه، يتسمون بالاندماج والتهور ويفتقدون الحنكة والحكمة، ويتعاملون مع أي معارض باعتباره عدوا، وليس صاحب رأي أو موقف مختلف أو كشريك مثلهم في هذا الوطن، لا يفرقون بين الخلافات التكتيكية والخلافات الاستراتيجية، ويقدمون أنفسهم بوصفهم المتحدث الرسمي الوحيد باسم الحكم، ولذلك يحملون الحكم أعباء لا يجب أن يتحملها، وينسبون إليه مواقف لا يتنباها أو حتى ترضيه، ويزجون بالحكم في معارك عديدة مع أفراد وقوى هو في غنى عنها ولا يريد خوضها.

وفي المقابل لدينا فريق من المعارضين أعماهم رفضهم الحكم عن رؤية حقائق على الأرض، وبالتالي اتخذوا مواقف تفتقد أي قدر من الذكاء السياسي، بل تتصادم حتى مع عموم الناس التي انبروا يتحدثون باسمهم ويدعون أنهم يعبرون عنهم وعن مصالحهم، وعندما لم يجاريهم عموم الناس أو يتجاوبون معهم انطلقوا يهاجمونهم ويوجهون اللوم الشديد لهم! هؤلاء ارتدوا نظارة سوداء يرون بها كل ما يحدث على أرض مصر شيئًا لا يفيد ابتداءً من قناة السويس الجديدة وحتى شبكة الطرق الجديدة.

وهكذا مأساتنا السياسية الحقيقية والأخطر، هي ذلك الغباء السياسي الذي ابتليت به حياتنا السياسية، في وقت نحن أحوج فيه لقدر من الذكاء السياسي في وقت نحوض فيه أكثر من معركة معا، معركة ضد محاولات تفويض كيان دولتنا الوطنية، وأخرى ضد إرهاب هو الأكثر وحشية في تاريخنا، وثالثة من أجل إعادة بناء اقتصادنا، ورابعة لإعادة صياغة منظومة القيم الاجتماعية التي اختلت على مدى سنوات طويلة، وأفرخت لنا الكثير من المشكلات بدءًا من الغش في الانتخابات والإنتاج وحتى حوادث العنف الديني والطائفي.

والغباء السياسي مثله كأي غباء آخر يحتاج لعلاج، وأول بند في هذا العلاج هو الاعتراف بهذا المرض.
الجريدة الرسمية