من فات المعارضة.. تاه
الشيء الوحيد الذي تم التخطيط له في مصر مؤخرًا هو السيطرة على الإعلام وإسكات الأصوات المعارضة وتحويل وسائل الإعلام بكل أنواعها إلى بوق واحد لا ينشر سوى ما تريده الأجهزة الرسمية.
ولو أن مؤسسات الدولة ادخرت جزءًا من وقتها وتخطيطها وحماسها الذي خصصته "ولا تزال" لإسكات الإعلام للقيام بإنجازات حقيقية لتغير الواقع، وتحسنت أحوال الناس، خاصة لو عرفنا حجم المليارات التي يتم ضخها لتحقيق هدف واحد فقط وهو قتل النِّقَاش العام وإخماد التفكير والتعبير، وإلهاء الشعب بتوافه الأمور.
وباعتباري عاشقًا للتاريخ؛ أتأمل أحداثه وأتعلم دروسه، تابعت قناة "ماسبيرو زمان" التي رفعت شعار "من فات ماسبيرو تاه" وهو شعار جميل لا شك، ووقفت كثيرًا أمام جريدة مصر السينمائية التي كانت تسجل الأحداث الجارية، وجاء نصيب حقبة الستينيات وافرًا من حيث كم الحلقات التي بثتها القناة طوال شهر رمضان، وكأنها توجه رسالة الآن إلى من يعتبرون إسكات الإعلام نصرًا عظيمًا وإنجازًا هائلا وضمانًا لاستمرار أصحاب المناصب والنفوذ في مواقعهم ومكاسبهم.
تأملت خطب وتصريحات المسئولين بدءًا من جمال عبد الناصر وحتى أصغر مسئول في المحليات، جميعهم لا يتوقفون عن استخدام عبارات: "المؤامرات الداخلية والخارجية ضد مصر"، "وأعداء الوطن ومنكري الإنجازات والخونة والطابور الخامس"، و"لا تصدقوا أحدًا غير القائمين على الحكم للحفاظ على البلاد ورعاية مصالح جماهير الشعب"، وغيرها من عشرات العبارات الرنانة ومئات المصطلحات التي تجعل المواطن يقتنع أن العالم أجمع يتآمر على مصر ليل نهار.
الإعلام كان وسيلة واحدة يردد نفس الكلام ويتبنى ذات التوجهات، فكانت النتيجة نكسة يونيو 67، ونهاية المشروع الناصري بشكل مأساوي، فلم تشفع زعامة ووطنية عبد الناصر في جعل الإعلام الأحادي الخالي تمامًا من المعارضة والرأي الآخر إنجازا أو ميزة بل كان نقمة وعارًا.
والآن وبعد عقود وفي عصر السماوات المفتوحة هناك من يكرر تجربة هذا الإعلام، ويصر على تجاهل النتائج المعروفة سلفًا، ومن لديه شك في ذلك عليه مشاهدة الجريدة السينمائية في قناة "ماسبيرو زمان" ليكتشف حقيقة مؤكدة وهي: "من فات المعارضة والرأي الآخر.. تاه".