رئيس التحرير
عصام كامل

التعليم.. ومهارات التفكير


تحدثتُ في مقالات سابقة عن التعليم وقيّم المجتمع، وكيف أن التعليم يرتبط بالثقافة العامة، وفى مقالى اليوم أتحدث عن التعليم ومهارات التفكير وخاصة بعدما حدث في امتحانات الثانوية العامة والتي تُعبر في مضمونها عن نظام تقليدى منذ سنوات وسنوات، ولم يدرك القائمون على العملية التعليمية أننا أصبحنا في عصر الكوكبة والميديا وأن الطلاب يمتلكون آليات أكبر من إمكانيات من يُدرسون لهم ومن يضعون معايير قد عفى عليها الزمان؛ ويستلزم الأمر أن تحفظ هذه المعايير في متحف أثرى للتذكرة.. فقد غاب عن العملية التعليمية منذ سنوات وسنوات أهمية التفكير وأهمية تنمية مهارات التفكير عند أولادنا في المدارس منذ السنة الأولى، وأصبح التلقين منهجا، ومحاولة إلغاء العقل طريق، بل أصبح التجهيل سياسية لتركيع وطن.


ولم يدرك كل وزراء التعليم السابقين أن التعليم قاطرة التنمية والإبداع في جميع المجالات، وأن إعمال العقل وتنمية مهارات الطلاب في أنماط التفكير هو جسر للعبور من منطقة الجهل إلى منطقة العلم.

فهناك علاقة بين التفكير وأنماطه وبين عملية التعليم والتعلم، ويجب أن نضع آليات لتطبيق تنمية التفكير ومهاراته عند الطلاب في جميع المراحل فالتفكير هو إعمال العقل وهو استثمار في المعارف في مواجهة تحديات العصر، وهو أساس المهارات الحياتية، وهنا لا أتحدث عن المهارات عند الطالب فقط وإنما أتحدث عن المهارات التي يجب أن يمتلكها الأستاذ، فإذا امتلك الأستاذ مهارات البحث العلمى والتحقق من دقة المعلومة وتصفية المعلومات لتحديد قيمتها العلمية يصبح لديه المعرفة ويُعلم طلابه بصورة صحيحة وعصرية، بل ليس ما يمنع أن تقام دورات تنمية وتدريب للأستاذ ليكون مؤهلًا لأن يقدم تعليمًا عصريًّا يواكب التقدم ويواجه التحديات، وأول ما يجب أن يُقدم للأستاذ هو كيفية تنمية مهارات التفكير ليُعلم طلابه كيفية إعمال العقل والتفكير بأنواعه سواء تفكيرا تحليليا أو نقديا أو موضوعيا أو إبداعيا، فإذا امتلك الأستاذ مهارات التفكير أصبح لديه المعرفة الواسعة لتعليم طلابه تلك المهارات من خلال تنويع أشكال التدريس ومن ثم تخريج متعلمين فعالين قادرين على التعلم الذاتى مُنتجين في مجتمعهم ومتعاونين ولديهم ثقافة احترام الآخر.
بل يكون لديهم شجاعة في طرح الأفكار والآراء قادرين على اتخاذ القرار المناسب ومن ثم قادرين على الابتكار والإبداع بدلًا من التلقين وبدلًا من التجهيل والتسطيح، وبدلًا من التعليم السائد القائم على التركيز على المحتوى يكون تعليمًا قائمًا على إنتاج المعرفة، ويجب على وزارة التعليم أن تنسف منهجها القديم القائم على أن المحتوى وسيلة، وتدرك أن تعلم المهارات غاية.

فالتعليم السائد قائم على اكتساب المعرفة والحفظ والتذكر وتلقى الأوامر، ومن ثم يجب أن يستبدل بتعليم قائم على التنوع واكتساب المهارات بل وكيفية اتخاذ القرارات، بل يجب أن تتنقل وزارة التعليم بأكملها من منهج نقل المعلومة للطالب إلى منهج بناء المعلومة من خلال آليات كثيرة من بينها كيفية تنمية مهارات التفكير لدى الأستاذ قبل الطالب.

بالإضافة إلى أنه يجب أن تكون هناك بيئة تعليمية مناسبة وتشجع على الاختلاف والحوار، بيئة غنية بالمثيرات ومصادر التعليم، والاستغناء عن أن يكون الأستاذ في الفصل هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، وأن الكتاب المقرر هو المرجع الوحيد للطالب، والاستعانة بكل الوسائل الحديثة للتعلم لبناء عقول قادرة على الفهم وعلى إعمال العقل وعلى بناء الأوطان ولا تعتمد على الغش الذي يُأصل لمفاهيم أخرى لا أخلاقية.

فإذا كانت هناك آراء سابقة عن تطوير التعليم، أقول للقائمين على العملية التعليمية ولأصحاب القرار إن التعليم ليس بحاجة إلى تطوير بل بحاجة إلى إعادة بناء من جديد لإصلاح ما أفسدته السنوات السابقة بيدٍ لا تدرك ما معنى العقل، وبقررات تريد أن تلقى بمصر في عصور من التخلف والرجعية..

وللحديث بقية عن أهمية إصلاح التعليم.
الجريدة الرسمية