رئيس التحرير
عصام كامل

ثورة ضد القبح


ألا يدرك الجميع أن مصر في هذه الأيام تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى إدارة حاسمة تعيد الانضباط إلى حياتنا؟ ألا يدرك الجميع أن الانفلات من تطبيق القانون هو أسوأ ما يواجه المجتمع المصري بأسره، وأنه لن يكون هناك هيبة للدولة ما لم يكن للقانون قوة رادعة في ذاته؟


كلنا رأينا ونرى مخالفات المباني التي أدت من ناحية إلى تحويل المدن إلى غابة من الأسمنت قبيحة المنظر، وإلى تآكل الأرض الزراعية في القرى من ناحية أخرى لاعتياد المواطن الذي لم ير هيبة للدولة على تجريف الأرض الزراعية والبناء عليها، انظر إلى مصر ساعتئذ سترى الفوضى ضاربة أطنابها في كل ناحية من نواحيها، وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، نحن الذين ظلمنا أنفسنا وظلمنا مصرنا، ثم جلسنا بعد ذلك نوجه انتقاداتنا إلى النظام الحاكم والحكومة والوزير الفلاني والخفير العلاني..

تبا لهؤلاء الذين اعتادوا على تطبيق القانون خوفا ورهبا، دون أن يستشعروا أن هذا القانون قد تم تشريعه لمصلحة البلاد والعباد، وإذا سافروا إلى أوروبا أو الخليج أو حتى بلاد تركب الأفيال تجدهم وقد انصاعوا فورا لقوانين تلك الدول، لا يخالفونها ولا يجرأون حتى على مجرد التفكير في مخالفتها، هؤلاء يتحدثون معك عن دقة الانضباط في بلاد الغرب وفي بلاد الخليج، ثم بعد ذلك ينهال نقدا في جهاز حماية المستهلك في مصر عندما أصدر رئيسه اللواء عاطف يعقوب قرارات حاسمة بمنع إعلانات لسلع كان فيها مساس بكرامة المصريين وخروج عن منظومة القيم المجتمعية!

وسبحان الله، إذا كان اللواء عاطف يعقوب اسمه مثلا "الجنرال يعقوب رئيس جهاز حماية المستهلك الأمريكي" ومنع إعلانات مضللة بذيئة ساعتها يصبح عندكم بطلا قوميا وتتمنون أن يقتدي به رجال الحكم في مصر! وحين يكون يعقوب هذا من رجالنا ومن أبناء وطننا يصبح قراره تسلطا واعتداء على حرية المعلن في الترويج لبضاعته!

أصدقكم القول نحن نحتاج إلى يد من حديد تضرب على أقفية المخالفين للقانون، فهكذا نحن، تعودنا على تطبيق القانون بل والمسارعة في تطبيقه عندما يكون الرقيب علينا قويا حازما، وما زمن المرحوم اللواء أحمد رشدي وزير الداخلية الأسبق علينا ببعيد، والكل يتذكر انضباط الشارع المصري تحت إدارته بشكل لم يكن له مثيل من قبل، ولم يكن له مثيل من بعد، وقد تذكرته وتذكرت حزم هذا الرجل عندما تحدثت مع اللواء عاطف يعقوب لكي أشد من أزره وأهنئه على قراراته الجريئة بمنع إعلانات بذيئة لم تقم الجهات الرقابية الأخرى بدورها في منعها، حينها قال لي: إنني أسعى لمواجهة القبح الذي استشرى في حياتنا، ولكنني أواجهه وفقا لتخصصي، فقلت له ويا ليتنا جميعا نواجه هذا القبح، نحن يا سيدي نحتاج إلى ثورة، نعم ثورة ضد القبح.
الجريدة الرسمية