«عقدة الخواجة».. الحكاية فيها «جودة»!
الرئيس يطالب الحكومة بتشجيع الاستثمارات الوطنية.. الدولة تقر قوانين لحماية منتجاتها.. الحكومة تحض الشعب على تشجيع المنتج المحلي.. أينما وليت وجهك تقابلك الحملات والإعلانات التي تحثك على شراء منتجات بلدك، بزعم أنها لا تقل «جودة» عن «الأجنبي»، وأرخص منه سعرًا..
هذه الحملات، والمبادرات تهدف- بلا شك- إلى زيادة ناتجنا المحلي، وتحفيز شركاتنا ومصانعنا وورشنا على الإنتاج، وتشجيع رجال الأعمال الوطنيين على توسيع أنشطتهم؛ لاستيعاب ملايين العاطلين، وتقليل نسبة البطالة؛ ما يؤدي في النهاية إلى انتعاش اقتصادنا الذي أوشك على الموات إكلينيكيًا.
السؤال: هل الحملات، والمبادرات «الحكومية» كافية لإخراج اقتصاد الدولة من غرفة الإنعاش؟
إن الأزمة التي ضربت العالم في 2008 أثرت كثيرًا على الاقتصاد الأمريكي؛ ما دفع الرئيس باراك أوباما إلى تقديم مشروع للكونجرس يحتوي على بند «اشترِ المنتج الأمريكي أولًا». لكن بعد ذلك تم رفع هذا البند؛ لتعارضه مع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية الملتزمة بها واشنطن، إضافة إلى أنه كان- حال إقراره- سيشجع دولًا أخرى على اتخاذ نفس الخطوة؛ ما قد يؤدي إلى «حروب تجارية».
إذن المبادرات الشعبية لمقاطعة المنتج الأجنبي «هي الحل». لكن إلى أي مدى يمكن أن تنجح؟ وهل يمكن أن نستغني- بالفعل- عن المنتجات الأجنبية؟
إننا نستورد غذاءنا، ودواءنا، وسلاحنا، وملابسنا، و«حشيشنا»، و«منشطاتنا الجنسية»... بينما الرئاسة، والحكومة، ومؤسسات عديدة تطالبنا بالتخلص من «عقدة الخواجة»، وتشجيع المصري «شخصًا كان أو منتجًا».. كيف ذلك؟ لا أدري!
نحن- معشر الفقراء ومعدومي الدخل- لم نتخلَ يومًا عن المنتج المصري، بل نحترمه. لكن المنتج المصري هو الذي لا يحترمنا، ويُصر على أن يتخلى عنا؛ برداءته؛ وعيوب صناعته، وثمنه المغالى فيه..!
فالمسألة ليست «عقدة الخواجة»، وإنما «جودة المنتج».. والحمد لله سمعتنا الصناعية «حاجة تكسف».. وجعلتنا نترحم على أيام الملكية حين كانت كبرى المصانع الإنجليزية تعتمد على القطن المصري، وحين أسس طلعت باشا حرب أكثر من 40 شركة في شتى المجالات، باستثمارات وطنية، كانت وما زالت عماد الاقتصاد الوطني.
الآن انظر ماذا حدث لشركة الحديد والصلب بحلون، التي كانت أكبر قلعة صناعية في الشرق الأوسط في مجالها.. انظر ماذا حدث لشركة النصر للسيارات.. انظر ماذا حدث لمصانع الغزل والنسيج في المحلة، وغيرها من مصانع الأسمدة، والطوب.. إلخ.
لا أعتقد أن الحكومة لديها الرغبة الحقيقية في أن تكون مصر «أد الدنيا»، ولا أن تتخطى مرحلة «شبه الدولة»- كما قال الرئيس- لماذا؟ لأن لا أحد يفكر جديًا في بحث أسباب توقف آلاف المصانع طوال السنوات الماضية.. بينما يتفتق ذهن مسؤولينا عن مشروعات «عملاقة»، مثل مصانع «الزراير، والسوست، والبراميل»!
إن العالم يتقدم من حولنا، وهناك دول إقليمية كانت أقل منا شأنًا، ومواردًا، إلا أنها سبقتنا في شتى المجالات، بل أصبحنا «نتسول» منها؛ لأننا كنا نسابق الزمن لتحقيق رقم قياسي في «الفساد».. وتفرغنا لـ«معايرة» الدول- التي كنا نُحسن إليها- بأننا أصحاب «سبعتلاف» سنة حضارة!
أكاد أموت حسرة وأنا أشاهد «أردوغان» يعطي شارة البدء بإنزال سفينة حربية «محلية الصنع» إلى بحر مرمرة، كخطوة لـ«تطوير قدرة الدفاع والردع في البلاد باستخدام الموارد المحلية لتركيا».. قائلًا إن السفينة التي تم إنزالها هي الثالثة ضمن ثمان سفن حربية ستم إنتاجها في إطار مشروع السفن الحربية محلية الصنع (ميلجم)، مشددا على أن الخطوة التالية هي «إنتاج سفن حاملة للطائرات بالقدرات المحلية»!
يا الله.. أين نحن من تركيا- التي لا يفوت إعلامنا أية فرصة للتريقة على رئيسها، والتشفي فيه؟ أين ترسانات صناعة السفن التي كنا نباهي العالم بها.. أين صناعتنا الحربية التي بدأناها في الستينات؟ أين مصانع المحلة؟ وأين وأين وأين؟
لقد سعدنا لمجرد شراء حاملة الطائرات الفرنسية «ميسترال»، وحاولنا «تمصيرها» بإطلاق اسم «جمال عبد الناصر» عليها.. لكن سعادتنا كانت ستتضاعف لو كانت هذه السفينة مصرية مائة بالمائة، أو حتى «تقفيل مصري».. وكنا سنقيم الأفراح والليالي الملاح لو كان المسئولون لا يأكلون إلا من أرض بلدنا، ولا يرتدون إلا ملابس من قطن بلدنا، ولا يركبون إلا سيارات «Made in Egypt».. فهل يتحقق هذا الحلم؟!
****
فاصلة منقوطة
السماء لا تستجيب لدعوات «المتسولين»!