تفاصيل المفاوضات «السرية» مع الإخوان.. «جهة سيادية» تقود «المصالحة» مع الجماعة.. تهيئة الرأي العام لإصدار عفو صحي عن «مرسي والمرشد».. و«الشيخ حمدي» وس
غرفة مغلقة داخل مقر جهة سيادية، الموضوع المطروح للنقاش منذ فترة وتناقلته الالسنة على استحياء حان وقت حسمه بعد عامين لم تهدأ فيهم الاتصالات للحظة الواحدة .
قيادات رفيعة من الجهاز السيادي المنعقد فيه الاجتماع وأحد رموز التيار الإسلامي المستقلين والمعروف بلعبه دور همزة الأوصل بين الجماعات الإسلامية أما الموضوع فهو إيجاد صيغة مناسبة لعقد مصالحة مع جماعة الإخوان الإرهابية، وتصفية الخلافات العالقة منذ ثورة 30 يونيو، التي أطاحت بحكم الجماعة من على سدة الحكم.
يستند الصلح إلى وقف الإخوان كافة أشكال العنف والاعتراف بشرعية النظام وإعلان إدانتهم أعمال الإرهاب بشكل صريح والعمل على بدء مراجعات فكرية يعلنونها على الملأ.
مصادر حضرت الاجتماع كشفت لـ«فيتو» أن الجهة السيادية استدعت الشيخ حمدي – الاسم الحركي للقيادي الإسلامي – وبدأ اللقاء بتأكيد المسئول على تقديره وتثمينه مواقف الشيخ السابقة، والتي دللت على وسطيته واعتداله بجانب وصول معلومات تفيد قربه من الإخوان وأنهم يحترمون رأيه.
والصفقات مع الجماعات الإسلامية منهج لأجهزة الأمن وكان أشهر تلك الصفقات ما أطلق عليه حملة المراجعات والتي كانت عبارة عن جلسات مع الجماعات الاسلامية في تسعينيات القرن الماضي واعترف فؤاد علام نائب رئيس جهاز أمن الدولة السابق بعقد تلك الصفقات في كتابه الذي حمل عنوان «الإخوان وأنا»
توافق مع الإخوان
بدأ اللقاء باستعراض المسئول رأي الشيخ حمدي في الأحداث التي تمر بها البلاد وفي دائرة العنف التي لا تتوقف في إشارة منه إلى أن جماعة الإخوان تقضي على تاريخها القديم، مؤكدا له أن الدولة تعلم أن الإخوان جماعة مسالمة وكانت لها أدوار داعمة للدولة، وأن الجماعة وصلت لأعلى الدرجات التوافق مع الدولة في انتخابات الرئاسة 2005، حيث تم الاتفاق على التصويت لـ"مبارك" على أن يحصل الإخوان على حصة كبيرة في البرلمان وهو الأمر الذي تم في إشارة منه إلى أن الدولة لم تنقض اتفاقها مع الإخوان إلا أنهم هم الذين نقضوا كل الاتفاقات والوعود.
القيادي الأمني يوجه حديثه للشيخ حمدي: "إن الدولة سعت بعد 30 يونيو لفض رابعة، حيث تم الاتفاق معاك على الوساطة لإنهاء الاعتصام وأنت بنفسك رأيت وعرفت ردود الإخوان الرافضة مع أن النظام الجديد كان على استعداد أن يترك لهم مساحة في الحكم تعطي لهم الحق في العودة مرة أخرى للمشاركة في انتخابات الرئاسة، لكن غرور الإخوان هو الذي أدى لتصاعد الأمر وإحساسهم بأن أمريكا والاتحاد الأوروبي معهم أفقدهم التفكير السليم ولم يستطيعوا رؤية الغضب الشعبي الكبير، لكن ما قد حدث حدث، والآن نحن في لحظة فارقة وبعد شهرين من الآن سيكون مضى على الرئيس عامين ويتبقى له عامين والدولة تسير على نهج جيد والعلاقات الرسمية مع الدول على أحلى ما تكون، وليس هناك أمل لجماعة الإخوان في العودة مرة أخرى إلا إذا سمحنا لهم بالعودة التدريجية".
وجاء رد الشيخ حمدي: "أنا عارف كل ما سبق بل أستطيع أن أقول لك ما هو أكثر، وأن فصائل العمل الإسلامي شاركت في الوساطة حتى أن الشيخ محمد حسان تحدث مع قيادات الإخوان "خيرت الشاطر، ومحمود عزت" إلا أنهم رفضوا وكان البلتاجي أكثرهم تطرفا، وهناك فريق في الإخوان نادم على عدم استغلال الفرصة، وهناك في السجون فريقين الأول يرى أن ما حدث هو ابتلاء من عند الله، وأنهم عليهم الصبر وهذا هو الفريق الضعيف، أما الفريق الثاني وهو الأقوى يقول إن ما حدث كان نتيجة الأخطاء من القيادات العجوزة في إدارة الحكم، وإن قادة الإخوان أخطئوا عندما لم يستشعروا غضب الشعب ولم يقدروه بحق".
التنظيم الدولي
التنظيم الدولي كان حاضرًا بقوة في ذهن المسئول الأمني الذي أراد معرفة رأي التنظيم الدولي في الإخوان، ورد عليه الشيح حمدي أن التنظيم الدولي كان رأيه أن يستجيب مرسي للشعب ويدعو لانتخابات رئاسية مبكرة، فيما غضب عدد من قادة التنظيم وعلى رأسهم الشيخ عصام العطار، المقيم في ألمانيا وهو سوري الجنسية وكان مسئول إخوان سوريا.
بعد ما يقرب من نصف ساعة كان الوقت قد حان لأن يطلب المسئول من الشيخ حمدي القيام بمهمة أسمها من أجل مصر ومصلحة الإخوان وهي أن يقوم "الشيخ " بمهمة للخارج للقاء قيادات الإخوان والمسئولين في التنظيم، على أن تسهل أجهزة الأمن المصرية ذلك.
المطلوب كما حدده المسئول الأمني هو إتمام تلك الصفقة من خلال عرضها على قيادات الإخوان وإجراء مراجعات فكرية وفقهية وسحب الإخوان من الشارع، وتخفيف الهجوم في وسائل التواصل الاجتماعي، وكف يد الإخوان عن الإساءة لمصر في القنوات التليفزيونية التي يسيطرون عليها، والكف عن مهاجمة شخص الرئيس والنظام.
وبالفعل تم ترتيب سفر الشيخ حمدي إلى تركيا وكان قد أجرى قبلها اتصالات بجمال حشمت ليرتب له بعض اللقاءات مع بعض قادة الإخوان، وعلى رأسهم محمود حسين ومحمد كمال، وسافر الشيخ حمدي وعقد اجتماعا لمجموعة من قيادات الإخوان في أحد الفنادق لتشكيل هيكل إداري جديد للجماعة وإجراء انتخابات جديدة، وهي تلك الواقعة التي وقعت مشاجرة بين الإخوان نفسهم، وتم استدعاء الشرطة التركية للفض فيما بينهم.
ويفيد المصدر أن "الشيخ" حضر جانب من هذا الاجتماع ولما احتد الأمر ووصل إلى طلب الشرطة للتدخل، انسحب من القاعة وجلس مع جمال حشمت ومحمد عبدالرحمن المرسي الذي أصبح مسئول المكاتب الإدارية.
رعاية أردوغان
وعرض الشيخ حمدي على جمال حشمت الصفقة مثلما تم تلقينه في مصر قبيل سفره بساعات، فقال الأخير: "لا أستطيع إعطاء قرار فردي، وعلي الرجوع إلى مؤسسات الجماعة والتنظيم الدولي وسأرد عليك بعد أسبوع وفي فترة الأسبوع وفر الإخوان فيلا خاصة بمدينة تركية تحت إشراف ورعاية "رجب طيب أردوغان" نفسه للشيخ حمدي طوال فترة مكوثه في تركيا، وبعد مرور أسبوع جاء رد مؤسسات الجماعة على ما عرضه الشيخ حمدي بأن عودة مرسي للحكم مسألة مستحيلة وبأن الاعتراف الرسمي بشرعية النظام مستحيلة، وأن ما يقدمونه هو اعترافهم ضمنيا بشرعية السيسي، ويأتي هذا عبر إعلامهم، ومن الممكن أن يعلنوا أنهم متنازلين عن عودة مرسي للحكم، وهو ما يعد ضمنيا اعترافهم بنظام الحكم القائم، وأن المركب تسير إلى بر الأمان.
واشترط الإخوان عددا من الشروط الواجب توافرها في سبيل السير تجاه المصالحة مع النظام القائم، حيث طالب الإخوان بضرورة إصدار براءات تدريجية وأحكام مخففة لكل قيادات الجماعة الذين حصلوا على أحكام إدانة، مشددين على عدم تنازلهم عن فرد واحد من القيادات، ويأتي على رأسهم محمد مرسي، وبمجرد خروج مرسي يتم إعطاؤه الحق في السفر إلى قطر أو تركيا، وقالوا له إن منصب مرسي مدخر له ليكون مستشار سياسي للرئيس رجب أردوغان، وأن وقتها سيتم الإعلان عن تكريمهم دوليا.
ويواجه محمد مرسي ومحمد بديع أحكام بالإعدام إثر تورطهم في قضايا تنوعت بين التحريض على العنق والتجسس لصالح جهات خارجية
750 مليونا
وسلم الإخوان كشفا للشيخ حمدي يحتوي على 32 ألف اسم من المحبوسين على ذمة القضايا أو بموجب أحكام صدرت بحقهم وطلبوا منه إصدار عفو رئاسي عنهم، وأن الجماعة تضمن عدم ممارسة هؤلاء الشباب لأي عمل سياسي أو انتهاجهم إلى العنف سبيلا للمعارضة، ولم تتوقف شروط الجماعة عند هذا الحد، حيث طالبوا بضرورة أن تقوم الحكومة المصرية بدفع الدية عن قتلى الجماعة في رابعة والنهضة ومجموعة 6 أكتوبر التي كان على رأسها ناصر الحافي، وقتلى مسجد الفتح والحرس الجمهوري مصحوبا بالتكلفة المالية لتلك التعويضات، والتي بلغت "750" مليون جنيه، وقدموا للشيخ حمدي كشفا بأسماء هؤلاء القتلى الذين وصفوهم بـ"الشهداء".
كما طالب الإخوان من خلال جمال حشمت الذي يقود المصالحة إصدار قانون وفق ما ورد في الدستور في المادة (141)، والذي ينص على إعطاء الحق لكل الشعب في التعويض لكل من أضير في أحداث يناير، وأحداث 3 يوليو، وأن الدولة ملتزمة بسداد هذه التعويضات لكل من أضير أو استهدف في هذه الأحداث.
وطلبوا أيضا التخفيف عن المساجين من الإخوان وإعطائهم مساحة للتحرك، وأقروا للشيخ حمدي أنه إذا تحققت هذه الأشياء أو في مجملها فهم مستعدون للقيام بكل شيء.
العدالة الانتقالية
عاد الشيخ حمدي إلى مصر وأعطى للمسئول السيادي تقريره عن الزيارة مكتوبا، وتم التشاور في ما تم خلال الرحلة، وتواصلت هذه الجهات مع الشيخ حمدي وأخبروه أنهم باستطاعتهم إصدار قانون للعدالة الانتقالية ينص على تعويض المضارين، وأن هذا القانون سينص على التصالح بين الفئات المتنازعة من الشعب، وأن ينص القانون على تعويض الضرر الذي أصيب به الأفراد المنتمين للفئات المتنازعة من الشعب، وأخبروه أنهم يقبلون مسألة العفو الرئاسي عن الشباب المحبوسين، ولكن هذا الأمر سيتم على مدى عامين وأنهم يضمنون البراءات والأحكام المخففة للمتهمين غير الرئيسيين في القضايا الكبرى، وبالنسبة للقيادات الكبرى للإخوان فالمسألة ستكون شديدة الصعوبة لأنه إذا صدرت لمصلحتهم أحكام مخففة أو براءات فسيؤدي ذلك إلى غضب عارم في الأوساط الشعبية، وإنما من الممكن العمل على ألا تتجاوز الأحكام 15 عاما لهؤلاء القيادات على أن يكون هناك وعد بالتفاوض مستقبلا قبل نهاية الولاية الأولى للرئيس، وأن يصدر عفو رئاسي حتى يكوم له أسباب وأن يتم نقل قيادات الإخوان للمستشفيات الخاصة "خيرت الشاطر ومحمد بديع" على رأس القائمة تحت مزاعم أن حالتهم الصحية خطيرة ويتابع هذا إعلاميا ويتم الترويج له ويعقبه إصدار الرئيس في آخر 6 أشهر رئاسية قرارات بالعفو عنهم، وبعدها يسافر مرسي وحده بحجة خضوعه للعلاج، إلا أن تلك الصفقة مرهونة بسعى الجماعة وتقديمها أمارات وبوادر للتصالح.
تأكيد الدولة
وبالفعل لم تتوانَ الدولة في التأكيد على سعيهم لإجراء المصالحة من خلال إطلاق عدد من رجال الدولة والأحزاب السياسية والتكتلات البرلمانية في إطلاق شعارات المصالحة، بجانب ترديد قانون العدالة الانتقالية وما ينص عليه من ضرورة التصالح مع كافة فئات وشرائح المجتمع وعلى رأسهم المستشار مجدي العجاتي وزير الدول للشئون القانونية.
لم تقف تحركات الدولة تجاه المصالحة عند هذا الحد إلا أنها بعدما أفرجت عن المهندس أبو العلام ماضي، رئيس حزب الوسط، سمحت له بإجراء انتخابات داخلية بعدما أقصى عددا من القيادات المتواجدة داخل الحزب وتولى "ماضي" راية الحزب مرة أخرى بالتزكية، فضلا عن الإفراج عن عدد من قيادات التيار الإسلامي وعلى رأسهم محمد الظواهري
وتوقع الجميع أن يقوم أبوالعلا ماضي بدور في المصالحة المتوقعة بين اجهزة الأمن وجماعة الإخوان، فيما أكد آخرون إنها المهمة الاساسية التي خرج من أجلها ماضي.
اتصالات «عشقي»
ومع تصاعد الأحداث اضطر الشيخ حمدي للسفر مرة أخرى إلى تركيا ومنها بعد ذلك إلى تونس، حيث تقابل هناك مع راشد الغنوشي ومع عصام العطار الذي كان في زيارة إلى تونس وعرض عليهم ما تم من محادثات وبأن الإخوان أبدوا موافقتهم المبدئية لكنهم يريدون الإفراج عن عدد من الشباب وهو ما تم بالفعل بعفو رئاسي من المنتظر أن تزيد الأعداد المفرج عنها بإصدار عفو رئاسي خلال الفترة المقبلة على متهمين متنوعين، ولكن أكثرهم إخوان.
الغنوشي والعطار قالا إنهم يريدون استخدام الأدوات للضغط على مصر في خصوص ملف "مرسي والشاطر وبديع للإفراج عنهم، وبالفعل سافر الأخير إلى قطر وتقابل مع الشيخ يوسف القرضاوي ثم سافر بعد ذلك إلى المملكة العربية السعودية وتقابل مع أنور عشقي الذي كان نائبا لرئيس المخابرات السعودية ويترأس مركز للدراسات حاليا، وتم الاتفاق على ترتيب زيارة من جانب يوسف القرضاوي للسعودية للقاء الملك سلمان وتلك الزيارة تعد إشارة لرعاية السعودية للمصالحة، وأن يقوم أنور عشقي بعلاقاته مع المخابرات الأمريكية والبريطانية بإدخالهما كرعاة للمصالحة والتواصل مع جهات أخرى، وإجراء الشيخ حمدي لقاءات مع جهات في مصر من أجل الوصول إلى صيغة نهائية للاتفاق، ولذلك بدأ بعض المسئولين في الحكومة استجابة لهذه الوساطات بإطلاق تصريحات فيما يتعلق بإمكانية الصلح مع الإخوان، لتهيئة الرأي العام حتى يتقبل فكرة المصالحة والإفراج عن مرسي والشاطر وبديع لأسباب صحية.