رئيس التحرير
عصام كامل

ما لم تقله «مصر» الأخرى للرئيس


هذا المقال ليس ردا مباشرا على كلمة الرئيس بالأمس في دار الأوبرا المصرية وهو يحتفل بذكرى 30 يونيو التي لم يحتفل بها أحد في الشارع المصرى، ورغم أن مديريات الشباب والرياضة بكافة محافظات مصر قد أخذت تكليفات بالاحتفال رسميا والإنفاق على تلك الفاعلية إلا أن الحضور كان قليلا جدا وهذا شىء متوقع لأسباب الكثيرون يدركونها إلا حكومتنا الموقرة تتجاهل كل ما يذكرها بتقصيرها أو اعوجاج سياستها وفشلها في تحقيق حياة كريمة للممصريين!


تحدث الرئيس بأسلوب وطنى عاطفى مؤثر استدعى مصر خلاله مشخصا إياها وناقلا رسالة منها لأبنائها..أولا مع التسليم بأن هذا أسلوب جديد في الخطاب السياسي ومبتكر في العالم بأسره، إلا أن الرئيس لم يذكر لنا من هي مصر بالتحديد التي يتحدث عنها.. مصر الأرض أم مصر المواطن! مصر العشة أم مصر القصر؟ مصر الفقراء أم مصر الباشوات؟ مصر التي تحضر احتفالا في الأوبرا يكلفها ملايين أم مصر التي يفرض عليها التقشف ويموت فيها مرضى السرطان بسب تعطل جهاز الإشعاع في مستشفى عام كمستشفى دمنهور العام مثلا، والتي اكتفى محافظها فقط بحضور احتفالات 30 يونيو وإفطارات مجمعة وترك المرضى فريسة للسرطان يمزق أجسادهم !

إذا كان الرئيس يقصد مصر الأرض والحدود والوطن، فعليه أن يفتخر بشعبه الذي رفض أن يستيقظ يوما فيجد جزءا عزيزا من أرضه وحدوده التي رويت بدماء جنوده الأشراف قد ذهبت لدولة أخرى، انتفض الشعب وسجن خيرة شبابه ورجاله ونسائه بينما حكومتهم تسعى لإثبات سعودية الأرض وليس مصريتها!.. إذن على الرئيس أن يوجه خطابه لحكومته ولرئيس برلمانه الذي طعن على حكم المحكمة الموقرة بمصرية الجزيرتين.. الرجل فعل ذلك بغير ذى صفة قانونية، لكن من باب الولاء فقط..لمن؟ لا ندرى، هو أعلم ببرلمانه وبنفسه وبدافعه لذلك !

ثم إن كان الرئيس يقصد بمصر الوطن الذي يعانى اقتصادا منهارا وهشا ويلمح لمزيد من التقشف عندما قال نصا (مناكلش..أيوه مناكلش..مش مهم) فالرجل عليه أولا أن يوجه هذا الخطاب لحكومته أيضا ولمن حوله من السادة الحضور في هذا الاحتفال الذي تكلف بالتأكيد أموالا كثيرة كنا أولى بها.. أو كانت أولى بها مصر لكى تأكل بكرامة وعزة ولا (تتحوج) لأحد وفقا لنص حديث الرئيس !

الواقع سيدى الرئيس أن المواطن (العادى) جاب آخره بالبلدى.. فهو بالفعل منهك ومتعب ومريض ومهان ومقهور ومفقور ولا يستطيع توفير قوت أسرته إلا بالكاد وبشق الأنفس وبالبهدلة والمرمطة في مواصلات غير آدمية، كما أن حكومته الرشيدة لا تجد حلولا لتقصيرها إلا هو، تخصم منه ضرائب كل يوم، ترفع الدعم عنه في الماء والكهرباء وتزيده لرجال الأعمال المساكين!، تنتقص من راتبه أو أجره برفع قيمة الدولار الذي صرح رئيس البنك المركزى أنه سيصبح بأربعة جنيهات فإذا به يلمح بالأمس فقط إلى احتمال زيادة سعره مرة عاشرة!

إذن من يجوع سيادة الرئيس؟ من يقبض بدون سقف وبدون حد أقصى من مصر الكريمة المعطاءة للسادة الكبار وتابعيهم بنفوذ ليوم الدين أم مصر الغلبانة التي تسعى وراء علاوة بخمسة جنيهات أو تعدو وتلهث وراء عربة تبيع دجاجا مستوردا أرخص قليلا من البلدى أو لحوم بلاستيكية مجمدة تذكر أبناءها الفقراء بشكل وطعم اللحوم المعتادة ولو من وراء حجاب؟

من الذي حق عليه أن يتنازل قليلا من يأخذ بدل مصيف وبدل زى وبدل دلع وبدل تصفيق وبدل تمييز وبدل حظ! أم من يسعى لتوفير رغيف خبز لكى يستبدله بزجاجة زيت أو كيلو أرز يسد به رمق أطفاله!

سيدى الرئيس:
هذا جزء قليل من وصية مصر التي قالتها لك، فهناك مصر أخرى توصينا جميعا بنقل هذا الكلام لك وإن كان مؤلما قليلا ولكن لا خير فينا إن لم نبلغه، مصر تريد العدل سيدى الرئيس، مصر تريد المساواة، مصر تريد الإصلاح، مصر تريد فرصا متساوية لأبنائها في الحياة والعمل والصحة والتعليم، مصر تريد وطنا للجميع بدون تمييز ومصر تريد حرية غير منقوصة، مصر تريد أن تكون للجميع.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.
fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية