رئيس التحرير
عصام كامل

تهريب السجائر لدعم الإرهابيين في ليبيا

فيتو

بات التهريب بكل أنواعه نموذجا تجاريا ناجحا للتنظيمات الإرهابية، ويبدو أن أنشطة التهريب إلى داخل مناطق سيطرة الجهاديين الإرهابيين تنطلق أيضًا من بعض الدول الأوروبيــة، ومن بينها جمهورية الجبــل الأسود.

الأرقام التي يوردها مكتب الإحصاء الرسمي في جمهورية الجبل الأسود مثيرة للدهشة، إذ صدّرت هذه الدولة الصغيرة الواقعة على البحر الأدرياتيكي في الأعوام الثلاثة الماضية 3409 أطنان من السجائر إلى ليبيا تبلغ قيمتها نحو نصف مليار يورو، وهو مبلغ يتجاوز ما صدّرته إلى مجموع الدول الإثنى عشر التي تليها.

وأوضحت تحريات فريق من الصحفيين الاستقصائيين، أن ذلك قد يكون دليلًا على وجود تعاملات قذرة مع إرهابيين.

من جهتها، تؤكد هيئة الجمارك في جمهورية الجبل الأسود أن أغلب السجائر التي يتم تصديرها إلى ليبيا تصل إلى ثلاثة موانئ: طبرق، حيث مقر الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا، بالإضافــة إلى بنغازي ومصراتة، وهما ميناءان يسيطر عليهما الثوار، لكن مقاتلين ينتمون إلى جماعة "أنصار الشريعة" الإرهابية سيطروا قبل فترة وجيزة على ميناء بنغازي، وهذه الجماعة مرتبطة بشكل فضفاض مع تنظيم داعش وينسب إليها هجوم دموي على مقر القنصلية الأمريكية في بنغازي عام 2012.

ويشير أحد أعضاء المخابــرات الليبية، الذي طلب عدم الكشف عن اسمــه، إلى أن تهريب السجائــر من أهم مصادر الدخل لدى الجهادييــن في ليبيا، مؤكدًا أن جزءًا من تلك السجائر تأتي بالفعل من الجبل الأسود، وعلى أراضي ليبيا المقسمة، يتم بيع هذه السجائر في السوق السوداء التي يستحيل السيطرة عليها حاليًا، وبحسب بعض المعلومات، فإن في ليبيا حاليًا نحو 1200 مجموعة مسلحة.

كانت "جمعية إنتاج التبغ في العاصمة بودجوريكا حتى فبراير من العام الحالي تابعة للحكومة، وكانت بين عامي 2012 و2016 مسئولة عن تجارة التبغ مع ليبيا، لكن هذه الشركة لم تصبح محط أنظار الصحافة بسبب صادراتها المثيرة للجدل، بل بسبب الاحتجاجات المستمرة للعاملين فيها، إذ رغم العائدات الكبيرة من بيعها للسجائر في ليبيا، إلا أن أجور العاملين لم تتغير، لكن منذ فبراير الحالي، باتت هذه الشركة ملكًا لمستثمر عربي.

ويطرح تساؤلًا عن سبب عدم مساهمة سلطات الجبل الأسود في الكشف عن هذه التعاملات المثيرة للشبهات، فهذه الدولة البلقانية تعتبر إحدى الدول المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وقد تصبح قريبًا أيضًا عضوًا في حلف شمال الأطلسي، لكن في الجبل الأسود، يتعامل الجميع مع هذا الأمر وكأنه مجرد سخافات، وحول ذلك يتساءل المدير السابق لجمعية إنتاج التبغ في بودغوريكا، سلافوليوب فوكاسينوفيتش: "هل تعتقد فعلًا أن هذه الجماعات (الإرهابية) تنتظر شحنات قادمة من الجبل الأسود من أجل إشباع رغبتها في النيكوتين أو الربح؟".

الصفقات المعقودة مع ليبيا لتصدير السجائر كانت تتم لسنوات عبر شركة "ليبرتي إف زد إي" التي تتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقرًا لها، وبحسب التقارير الصحفية، فإن هذه الشركة تمكنت من الحصول على رخصة إنتاج سجائر "كليوباترا" المصرية لصالح "جمعية إنتاج التبغ في بودغوريكا"، وفي عدد من المقابلات، افتخر فوكاسينوفيتش بأن هذه السجائر العربية العريقة ستنتج في الجبل الأسود، لكن في ذات الوقت، تواترت أنباء من مصر بأن سجائر "كليوباترا" من الجبل الأسود هي عبارة عن محاولة تزييف، كما تم الإعلان عن وجود قضية تم رفعها ضد الشركة الحكومية في بودغوريكا.

إلا أن كل ذلك لم يمنع الجمعية الحكومية في بودغوريكا من شحن سجائر "كليوباترا" التي يتم إنتاجها، وغيرها من سجائر ماركات أخرى، بكميات كبيرة إلى شمال أفريقيا، في أكثر من مرة، تم إيقاف السفن المغادرة من ميناء بار في الجبل الأسود من قبل خفر السواحل اليوناني، مثل ما حصل في مارس العام الماضي، عندما صادرت السلطات اليونانية 146 طنًا من سجائر "كليوباترا" المزيفة.

وبالرغم من كل ذلك، فإن قضية تهريب السجائر أمر شائع ومعروف في الجبل الأسود، ذلك أن هذه الدولة تشكل مفصلا مهما في تجارة التبغ غير القانونية عبر الاتحاد الأوروبية، بحسب ما يكتب جهاز الشرطة الأوروبي (يوروبول) في تقرير صدر عام 2012.

أما مكتب الادعاء العام في إيطاليا، فيصف رئيس الحكومة الحالي ميلو دوكانوفيتش بـ"عرّاب" تهريب السجائر خلال تسعينيات القرن الماضي، لكن دوكانوفيتش، الذي يتقلد أعلى المناصب الحكومية في الجبل الأسود منذ عام 1991، يبقى –إضافة إلى أقرب مساعديه- محصنًا ضد ملاحقة السلطات الإيطالية، والتي أعلنت وقف تحرياتها بشأنه عام 2009.

بعكس تهريب النفط، فإن بيع السجائـر بشكل غير قانوني كمصدر دخل للتنظيمات الإرهابية لم يحظ باهتمـام كبير حتى الآن، حتى مع بلوغ قيمة هذه التجارة المثيرة للشبهات في شمال أفريقيا حجم نحو مليــار دولار سنويًا، بحسب صحيفة الجارديان البريطانية عام 2013.

يشار إلى أن نسبة ثلثي عدد السجائر التي يتم تدخينها في ليبيا هي عبارة عن صفقــات غير مشــروعة، في حيــن تجني ميليشيات "أنصار الشريعة" أرباح إما عن طريق فرض ضريبة على مرور الشاحنات عبر مناطقها أو عبر السيطرة على تسويق هذه السجائر بشكل مباشر، وطبقًا للمقال الذي نشرته الجارديان، فإن الطرق الرئيسية للسجائر المهربة تبدأ في مصانع في الصين وفيتنام.

أن يكون بلد أوروبي صغير مثل جمهورية الجبل الأسود لاعبًا كبيرا في هذه الصفقات السوداء، أمر لم يكن معروفا حتى الآن، ولا يبدو مكتب الادعاء العام في الجبل الأسود حتى اللحظة مهتمًا بالنظر في هذه الاتهامات، كما ما زال التهريب إلى بنغازي ومصراتة قائمًا منذ سنوات، وحين يسعى الصحفيون التأكد من ذلك من خلال الذهاب إلى ما تسمى المنطقة الحرة في ميناء بار بالجبل الأسود، يقف الأمن في طريقهم، معللًا ذلك بأن حق الوصول إلى هناك "من حق الموظفين فقط".

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية