مخاطر الاستثمار الأجنبي أمام المجموعة الاقتصادية في وزارة إسماعيل
منذ عشر سنوات تقريبا بدأت في كتابة رسالة ماجستير بعنوان risk management in egyption market وهي العنصر الأهم في دراسات الجدوى للمشروعات الاستثمارية، وكنت متحمسا لأن يكون البحث على مستوى عال من الجدية في ظل ما يمر به العالم من عولمة اقتصادية ورغبة الحكومة المصرية آنذاك لجذب الاستثمار الأجنبي، لذا فقد استطعت إقناع مشرف من خارج قطاع الجامعة وهو د. إسماعيل عثمان، رئيس مجلس إدارة "المقاولون العرب" السابق في الإشراف على رسالتي، خاصة أنه أكثر المدركين لهذا العلم، فإنه من استطاع فتح أسواق لــ"المقاولون العرب" في أفريقيا والدول العربية بناءً على دراسة مخاطر الاستثمار في دول العالم الثالث والأسواق النامية، فهو خليط فريد من رجل الأعمال والأكاديمي قلما يوجد في مصر ولن أنسى تراجع مستويات الأبحاث الأكاديمية المصرية في ذات الموضوع مقارنة بالأبحاث العلمية العالمية وقتها.
منذ أيام وقعت في يدي المراجع العلمية وتقييمات المؤسسات الدولية والتحليلات للاقتصاد المصري في هذا الوقت وبدأت اتصفح وأربط ما بين يدي وواقع اقتصادنا اليوم وكيفية تحرك المجموعة الاقتصادية في الحكومة ثم اللجنة الاقتصادية في البرلمان وكيف يفكرون.
لن أنسى أول سؤال وجهه لي د. إسماعيل عثمان عن معنى risk management فكنت أتلو عليه التعريفات العلمية فابتسم بخفة دمه وقال لي (الريسك...رزق )، وبدأ يشرح أن المخاطرة ببساطة هي التي تدفع المستثمر إلى الدول النامية لأنها تحقق أرباحا أعلى على عكس الاستثمار في الدول المتقدمة المستقرة التي تحقق أرباحا أقل، ولكن الاحترافية في التحكم في المخاطرة ذاتها لتأمين هذه الأرباح، وهناك مستثمرون يعشقون الاستثمار في المخاطرة المدروسة مع الأخذ في الاعتبار أن رأس المال جبان ولا أنسى أيضًا عندما جاء ذكر المهندس إبراهيم محلب وتنبأ له بالنجاح والتفوق.
نعود لإدارة المخاطر ودون الخوض في التفاصيل الأكاديمية نستطلع أهم المخاطر التي تمثل معوقًا أمام الاستثمار في مصر وقتها -وما زالت- ويمكن أن نلاحظ ذلك من دراسات الجدوى ألا وهي:-
Credit risk
وهي مخاطر الائتمان وهي قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها ويمكن تقديرها عن طريق وكالات التصنيف العالمية وهي "ستاندر آند بورز" و"موديز" و"فيتش" وكلها مؤسسات أمريكية الجنسية وعلى الرغم من أنها كلها تابعة لدولة واحدة فإن لها مصداقية أمام المستثمر.
Currency risk
مخاطر عدم ثبات قيمة العملة المحلية وتحديد سعر افتراضي من جانب البنك المركزي وهذا العنصر يؤثر فى قيمة الأصول ويلاحظ اتجاه المستثمر لإيجار المقار بدلا من الشراء أيضًا سعر شراء خامات التشغيل وسعر بيع المنتج وتكلفته.
Inflation risk
مخاطر التضخم والتي تؤثر بالتوازي فى قيمة الأصول والاستثمارات.
Legal risk
مخاطر تغير القوانين واللوائح والقرارات ومدى تسهيلها للاستثمار وسرعة التقاضي ووضوح الرؤية القانونيــة وشكل الاقتصاد ( سوق حرة أو اشتراكية ) بما يؤثر فى مستقبل الاستثمار.
Political risk
مخاطر الاستقرار السياسي وعموما فالمستثمر لا يهتم بمستوى الديمقراطية بقدر اهتمامه بقوة النظام السياسي وسبل تداول السلطة بما لا يغير السياسات الاقتصادية تجاه المستثمر.
فيما سبق بعض من أهم المخاطر التي تمثل ثقلا في دراسات الجدوى للاستثمار الأجنبي في مصر وقتها (٢٠٠٦) مما يجعل نسب الربحية المستهدفة أكبر بكثير من معدلاتها لتؤمن المخاطر المتوقعة وليس في ذلك أي مجاملة أو محاباة للمستثمر، لذا يجب أن تدرك الحكومة كيف يفكر المستثمر نحو مخاطر الاستثمار في مصر وما يلزم توفيره كحوافز للتشجيع -وليس كل حافز هو فساد- في ظل العولمة الاقتصادية وسهولة هجرة رءوس الأموال عبر القارات لذا يجب أن تدرك المجموعة الاقتصادية واللجنة الاقتصادية في البرلمان رؤية المستثمر وتحقق له الحوافز المطلوبة والعبرة النهائية بجذب الاستثمار المستهدف وليس بكثــرة الإجراءات والتصريحات وبكل وضوح نحن نحتاج جرأة في اتخاذ القرار.
في النهاية يجب أن ندرك أن المستثمر المصري لا ينظر إلى الأمور بهذه الدرجة من التعقيد لأنه مرتبط نفسيا بالوطن لذا وجب التنويه أن إعادة رءوس الأموال المهاجرة أهم وله أولوية ولأنه أيضًا معيار تقييم مبدئي للمستثمر الأجنبي.
في النهاية أحب أن أنوه إلى أنه رغم أن رسالة الماجستير في موضوع إدارة المخاطر لم تناقش الأسباب الإدارية واضطررت للانتقال لدراسة الماجستير في جامعة الإسكندرية فقد استفدت من بحثي في إدارة المخاطر في نطاق عملي وحياتي العملية وتعلمت أنه يجب أن تكون الرسالة في موضوع يتقبله الأكاديميون بسهولة وألا أتحرك في أمور يصعب استيعابها وإدراكها بالعقلية المصرية، ولكن اليوم أصبحت دراسة المخاطر إلزامًا على الشركات العالمية والمصرية من خلال الإصدار المستحدث لشهادة الأيزو ٢٠١٥.