ماذا تنتظرون؟
كنت أعلم أن جماعة الإخــوان في مصــر تخط بيدها نهايتها من قبل وصولها إلى قمة هرم السلطة بسنــوات، أقصد يوم أن تم اختيار محمد مهدى عاكف مرشدًا عامًا للإخوان في يناير عام ٢٠٠٤.. فقد كان من المعروف عن الرجل أنه لا يصلح للقيادة، أي قيادة، ومع ذلك اختاره أعضاء مكتب الإرشاد المسئــول عن إدارة شئــون الجماعة وكل مؤسساتها، وهو ما يدل على حجم الخلل الهائل الذي كانت وما زالت تعانيه الجماعــة..
كانت لحظــة كاشفــة، في أمس الحاجة إلى رجال لديهم إخلاص ووعي بحجم الكارثة التي تنتظرهم، لكن هيهات.. كان أعضاء مكتب الإرشاد يعلمون يقينًا أن الرجل لن يحصل على صوته هو، وخوفًا من أن تذهب الأصوات لفلان أو علان، تواطأ عدد منهم فأعطوه أصواتهم.. وفاز "عاكف" بالمنصب.. ولحظة أن علم بالخبــر، أصابه الذهول، كما أصــاب غيره..
وخلال الفترة التي قضاها مرشدًا، ارتكب الرجل أخطاءً قاتلة، ومع ذلك لم يكن هناك من يحاسبــه، بزعم أن "الزمن جزء من العلاج"(!).. هل هذا معقول؟ حسنًا، وأين بقية الأجــزاء؟ من أخطاء "عاكف" الكبــرى التي لن يغفرها له التاريخ أنه قام بتسليم الجماعة "تسليم مفتاح" إلى صهره محمود عزت (القائم بعمل المرشد الآن).. وطوال ٦ سنوات كاملة، و"عزت" - كأمين عام للجماعة - يقوم بتخريبها، فالرجل ضيق الأفق، يعتبــر نفسه الجماعة والجماعة هو، لا يعيــر الشورى أي التفات، منكفئ على ذاته والتنظيــم، وأحدث إرباكًا لكل مؤسسات الجماعة..إلخ.
لذا بعد أن جاء بديع مرشدًا، أصر "عزت" على أن يظل أمينا عاما للجماعة، استمرارا للدور الذي كان يقوم به، لكن أعضاء المكتب وقفوا في وجهه ولم يمكنــوه من ذلك.. لكن بقيت المشكلة الأساسيــة داخل الجماعــة قائمــة وهى خضوع أفرادها لما يسمى "ثقافة السمع والطاعة والثقة في القيادة".. هذه الثقافة جعلت القيادة - أي قيادة - متحكمة ومهيمنة بشكل كامل على الأفراد، إن قالت القيادة شرقا سار الأفراد شرقا دون عقل أو تفكير أو مناقشة، وإن قالت غربا - بعد ساعة واحدة - ساروا غربا، وهكذا(!!)
لذا فإن مراجعة الإخوان فكرهم ومنهجهم ومواقفهم، متوقف على ما تراه قيادة الجماعة، وبما أن هذه القيادة - بطبيعة تفكيرها وتكوينها - يستحيل أن تقوم بهذه المراجعات، فلا أمل في عودة الجماعة إلى الحياة الدعوية والسياسية مرة أخرى، على الأقل في المستقبل المنظــور.. مع ذلك، هي لا تفقد الأمل وتتصـور أن العودة مسألة وقت، قصر أم طال، وأن الظروف الراهنة سوف تتغير لا محالة.. لقد فضلت أن تسير في "سكة الندامة"، وهى أن تكون ألعوبة في يد الإدارة الأمريكية (وتابعيها)، كما فضلت أن تتماهى مع فصائل العنف لتنفيذ مخطط اهتزاز وزعزعة أمن واستقرار مصر..
وبدلا من أن تتقدم خطوة إلى الأمام لتكون جزءًا من الجماعة الوطنية، إذا بها تتأخر، لا أقول خطوات، وإنما أميالًا.. وهذا كان متوقعًا.. فالعقلية التي فشلت في إدارة الدولة (أيام حكم مرسي)، ولم تستطع أن تتعامل مع الفرص الكثيرة التي أتيحت لها، هي نفس العقلية التي ضحت بالشباب في فض رابعة والنهضة، إما حماقة منها أو استدراج لها من الإدارة الأمريكية، أو هما معا.. فماذا تنتظرون؟