المُبصرون العُميان!
ليس كل مُبصر يدرك الحقيقة، فما أكثر المُبصرين، الذين حُرموا صدق البصيرة، فصاروا أسوأ حالا ممن حرمتهم الأقدار نعمة البصر، "فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور".
وما أقبح أن تكون مُبصرا، ولكن حقدك وسوء طويتك، يجعلانك ترى الحق باطلا، والباطل حقا، والصدق كذبا، والكذب صدقا، والنور ظلاما، والظلام نورا، والعدل ظلما، والظلم عدلا، والنجاح فشلا، والفشل نجاحا.
وما أقبح أن تكون مبُصرا، وقلبُك مُظلما، وما أقبح أن تكون مُبصرا، وعقلك فارغا، وما أقبح أن تكون مبصرا، وضميرُك أسود، حينها سوف تكون كالأنعام بل أضل، "ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس، لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام، بل هم أضل أولئك هم الغافلون".
وكم من كفيف، أنار للعالم مصابيح العلم والثقافة والتنوير والإرادة، مثل: أبى العلاء المعرى، طه حسين، هيلين كيلر، بورخيس والمسعودى، وغيرهم، وكم من ملايين المبصرين، صاروا عبئا على الحياة وعلى البشر، وعلى الكون بتمامه وكماله، لن ينصلح أمره إلا بزوالهم.
فيا أيها المبصرون العميان، راجعوا أنفسكم، وحاسبوها، وعودوا إلى رشدكم، الذى تفتقدونه، حتى لا يحييكم الله يوم القيامة عميانا، كما تعهد بذلك، "ومن أعرض عن ذكري، فإن له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرا، قال كذلك أتتك ءاياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى"، ولعل الإعراض عن ذكر الله لا يقتصر على عدم أداء الفرائض، ولكنه يمتد إلى ضرورة أن يكون الإنسان خليفة الله فى أرضه، فلا يظلم ولا يجحد ولا يظلم ولا يكذب ولا يفسق، وليس مندوبا لإبليس، فيزيف الحقائق، ويزين الأباطيل، ويروج الأكاذيب.
ولعل الشاعر اللبنانى الراحل "إيليا أبا ماضى"، كان منصفا، عندما نظم:
ليس الكفيف الذى أمسى بلا بصر ** إنى أرى من ذوى الأبصار عُميانا.