نعيم أهل الجنة بـ«الرضوان» والنظر لوجه الله «الجائزة الكبرى»
الجنة نعيم لا ينفد وسعادة لا تنقطع، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"، وفي بعض رواياته: ولا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل" في الحديث القدسي رواه البخاري ومسلم.
وقد صف ابن القيم الجوزية الجنة في كتابه "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" فقال: "إن سألت عن أرضها وتربتها، فهي المسك والزعفران. وإن سألت عن سقفها، فهو عرش الرحمن. وإن سألت عن ملاطها، فهو المسك الأذفر. وإن سألت عن حصبائها، فهو اللؤلؤ والجوهر.
وقال ابن القيم: "إن سألت عن بنائها، فلبنة من فضة ولبنة من ذهب، لا من الحطب والخشب. وإن سألت عن أشجارها، فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب. وإن سألت عن ثمرها، فأمثال القلال، ألين من الزبد وأحلى من العسل. وإن سألت عن ورقها، فأحسن ما يكون من رقائق الحلل. وإن سألت عن أنهارها، فأنهارها من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى. وإن سألت عن طعامهم، ففاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون.
واستطرد: "إن سألت عن شرابهم، فالتسنيم والزنجبيل والكافور. وإن سألت عن آنيتهم، فآنية الذهب والفضة في صفاء القوارير. وعن سعة أبوابها، فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام، وليأتينّ عليه يوم وهو كظيظ من الزحام.
أشجارها من ذهب
ويقول ابن القيم "عن تصفيق الرياح لأشجارها، فإنها تستفز بالطرب من يسمعها. وعن ظلها ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع في ظلها 100 عام لا يقطعها. وعن خيامها وقبابها، فالخيمة من درة مجوفة طولها ستون ميلًا من تلك الخيام.
وعن علاليها وجواسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية، تجري من تحتها الأنهار. وعن ارتفاعها، فانظر إلى الكوكب الطالع، أو الغارب في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار. وعن لباس أهلها، فهو الحرير والذهب. وعن فرشها، فبطائنها من استبرق مفروشة في أعلى الرتب. وعن أرائكها، فهي الأسرة عليها البشخانات، وهي الحجال مزررة بأزرار الذهب، فما لها من فروج ولا خلال.
وقال عن أعمار من يدخلون الجنة فأبناء ثلاثة وثلاثين، على صورة آدم عليه السلام، أبي البشر. وعن وجوه أهلها وحسنهم، فعلى صورة القمر. وعن سماعهم، فغناء أزواجهم من الحور العين، وأعلى منه سماع أصوات الملائكة والنبيين، وأعلى منهما سماع خطاب رب العالمين. وعن مطاياهم، ما يركبون، التي يتزاورون عليها، فنجائب أنشأها الله مما شاء، تسير بهم حيث شاؤوا من الجنان.
"أما عن حليهم وشارتهم، فأساور الذهب واللؤلؤ على الرءوس ملابس التيجان. وعن غلمانهم، فولدان مخلدون، كأنهم لؤلؤ مكنون. وعن عرائسهم وأزواجهم، فهن الكواعب الأتراب، اللائي جرى فيهن ماء الشباب، فللورد والتفاح ما لبسته الخدود، وللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور".
أنواع الجنان
وقال زهير حسن حميدات في كتابه "نعيم الجنة": "لما خلق الله عز وجل الجنات يوم خلقها وفضل بعضها على بعض، جعلها سبع جنات، دار الخلد، ودار السلام، وجنة عدن، وهي قصبة الجنة، وهي مشرفة على الجنان كلها، وهي دار الرحمن تبارك وتعالى، ليس كمثله شيء، ولا يشبه شيء، ولباب جنات عدن مصراعان: من زمرد وزبرجد من نور، كما بين المشرق والمغرب، وجنة المأوى، وجنة الخلد، وجنة الفردوس، وجنة النعيم، سبع جنات خلقها الله عز وجل من النور كلها، مدائنها وقصورها، وبيوتها وشُرَفِها، وأبوابها ودرجها، وأعلاها وأسفلها، وآنيتها وحليِّها، وجميع أصناف ما فيها من الثمار المتدلية، والأنهار المطرزة بألوان الأشربة، والخيام المشرفة، والأشجار الناضرة بألوان الفاكهة، والرياحين العبقة، والأزهار الزاهرة، والمنازل البهية".
وأما عن صفة أهل الجنة فيقول ابن القيم: "يدخل أهل الجنة، جردًا مردًا مكحلين، أبناء ثلاثين، أو ثلاث وثلاثين، عليهم التيجان، وإن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب، ولو أن ما يقل ظفر مما في الجنة بدا، لتزخرفت له ما بين خوافق السماوات والأرض، ولو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدا سواره، لطمس ضوؤُه ضوءَ الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم".
ويقول:"إذا فتحت الجنة أبوابها دخلت أول زمرة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم كأشد كوكب دري في السماء إضاءة، قلوبهم على قلب واحد، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، يسبحون الله بكرة وعشيا، لا يسقمون فيها ولا يموتون، ولا ينزفون، ولا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يمنون، ولا يمتخطون، ولا يتفلون، آنيتهم من الذهب والفضة، وأمشاطهم الذهب، ومجامرهم الألوّة، ورشحهم المسك، أزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم، ستون ذراعًا في السماء، وبجمال يوسف، وقلب أيوب، وعُمْر عيسى، وخُلُق محمد، عليهم جميعًا الصلاة والسلام.
الجائزة
ثم يأتي النعيم الأكبر والجائزة الكبرى في الجنة، فعن عطاء بن يسار، عن أبى سعيد الخدرى، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، قال: "إِنَّ اللهَ يَقُولُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ في يَدَيْكَ. فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى؟ يَا رَبِّ، وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ. فَيَقُولُ: أَلاَ أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ، وَأَىُّ شيء أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رضواني، فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا". أخرجه أحمد والبخاري والترمذي ومسلم.
وعن صهيب قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنةَ يقولُ اللهُ تريدون شيئًا أَزِيدُكُمْ فيقولون ألم تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا ألم تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ فَيَكْشِفُ الحجاب فما أُعْطُوا شيئًا أحبَّ إليهم من النظرِ إلى ربِهم". أخرجه مسلم والترمذي وأحمد وفي صحيح الجامع.