مات «سعد».. ولم تتحقق وعود السيسي
شاب ثلاثيني طيب بشوش مثل أهل الأقصر وأسوان.. جاء للقاهرة سعيًا وراء لقمة العيش بعزة نفس وشهامة الصعايدة.. حتى استقر به الحال للعمل في أحد العقارات الجميلة المطلة على نيل العجوزة.
عرفت "سعد" قبل ثلاثة أعوام عندما انتقلت "فيتو" لمقرها الحالي ونادرا ما كان يتركني دون أن يستوقفني ليسألني عن أحوال البلد وتوقعاتي للسيناريو القادم.
ليلة رؤية هلال رمضان شكا لي من ارتفاع الأسعار رغم وعود السيسي بانخفاضها وتحسن الأوضاع المعيشية وقال: "هانعمل إيه في رمضان مع الأسعار اللي طالعة كل يوم"..
حاولت تخفيف الأمر عليه: "لا تحمل هما.. إن شاء الله خير"..
وفي اللحظة التي تحدث فيها عن أعباء شهر الصيام كانت أكفانه قد نسجت دون أن ندري.. فالموت المفاجئ خطف سعد ليلة النصف من رمضان.
كان يردد دائمًا ليه مافيش تحسن في البلد وإحنا كلنا مع السيسي والدولة كلها بتسانده طيب هوه عايز إيه تاني ليه الغلابة حالتهم في النازل.
كان يفاجئني بأسئلته التي تنم عن ذكاء المصري البسيط "ليه القبض على الشباب اللي عملوا ثورة يناير عشان مصر تبقى أفضل.. هوه إيه اللي بيحصل ده".
صوته يطوف حول مسامعي وهو يتحدث عن سر استمرار الفساد والغلاء وعودة ممارسات القمع وغيرها من القضايا المصيرية بفهم ووعي سليم وكأنه سياسي مخضرم.
مات سعد وفي قلبه غصة من أداء السيسي الذي يعشقه ويعتبره منقذ مصر من الإخوان لكنه لم يفعل شيئًا ملموسًا يجعل البسطاء ينعمون بخيرات بلدهم بعد أن حرمهم منها الفساد طوال عقود فتركوا أهلهم ليجوبوا البلاد بحثًا عن الرزق الحلال بالتعب والكد دون جدوى.
رأيته يتألم من مشهد توزيع مؤسسات الدولة كراتين السكر والزيت والدقيق في الأحياء الشعبية ويقول "ده كان بيعمله الحزب الوطني والإخوان عشان يضحكوا على الناس ليه يحصل دلوقتي والسيسي بيتكلم كل يوم عن كرامة المواطن".
مات سعد.. لكن هناك ملايين مثله ينتظرون أن تتحقق وعود السيسي وهم على قيد الحياة قبل أن يلحقوا به !