رئيس التحرير
عصام كامل

هبة عبدالحكم تكتب.. في دائرة الثلاثينيات

هبة عبد الحكم
هبة عبد الحكم

 كنت أتجول بملل بين أروقة المملكة الزرقاء، صيام ساعات طويلة حارة، إجازة من العمل، وقريحة فارغة لا تلح على ذهني أي أفكار، بالإضافة إلى عصيان الأبجدية المفاجئ الذي يصيب عقلي بلا سابق إنذار.

 
 وإذا باقتراح للأصدقاء من قبل «فيس بوك» بزميل للدراسة كان يسبقني بدفعتين على ما أذكر، لم يكن صديقًا مقربًا، إنما زميل في الكلية واتحاد الطلاب وأنشطة طلابية أخرى.

 ما شعرت إلا ويدي تكتب له رسالة، وللحق لم يتأخر كثيرًا في الرد، لم يذكرني، وقد عذرته، فعشر سنوات بعد التخرج مدة غير قصيرة، ويا لها من عشر سنوات! السنوات العشر الأكثر صراعًا في حياة كل منا، سنوات التخرج واختيار المهنة التي ستصبح فيما بعد روتينًا كبيسًا واختيار الشريك والارتباط وقرارات الإنجاب والتنظيم.
 
 عشر سنوات تمحو بسهولة ما قبلها، ذكرته ببعض الأسماء والأنشطة، أجزم أنه لم يتذكرني شخصيًا، إنما لمحت وجهه من وراء الشاشة قد شع حماسة كما حدث لوجهي الذي تخيلته دون أن أراه، تحمسنا لأحلامنا القديمة حين كنا نجتمع اجتماعات لم يستشعر أهميتها سوانا، أفكار وأهداف وأحلام كنا وقتها نملك القدرة على تحقيقها ولا نملك الإمكانات.

 لم نكن نعرف المستقبل، لكن حكمنا عليه أنه ورديًا، لا نعي ولا نستوعب ما الذي يمكن أن يجعله غير ذلك، مستقبلًا ورديًا لا ريب فيه.

 شعرت بجسدي قد خف ثقله ودبت بأطرافي الحيوية القديمة، حين كانت الروح تضج بالجسد فتدفعه دائمًا للحركة حتى لو بالخيال، أكثر شيء شعرت بافتقاده هو القدرة على الحلم، هذا حقًا ما اختلف.. نعم، اختلفت أعمارنا وملامحنا لكن التغيير الحقيقي كان في قدرتنا على الحلم، إن هذا ما يعد تغيير جذريًا.

 لا نملك الآن توسيع دائرة الأحلام، ربما لِما عرفناه عن وجه أيامنا، ربما للوعي بمحدودية الإمكانات سواء في انفسنا أو في أوطاننا، ربما لأننا أصبح لدينا أحلام محصورة بأشخاص أصبحوا - بقدرة قادر - واقع في حياتنا، أو انخفاض سقف المطالب من الدنيا لاقترابنا من نهاية العمر فأصبحت الدنيا لدينا فانية و"اللي جاي مش قد اللي راح"، وهذه الجمل المأثورة التي شكلت وجدان أغلبية المواطنين المصريين، وطوبى لهم على أي حال، بل ونعد نحن من الأجيال المحظوظة حيث شهدنا تغيرًا مهمًا في واقعنا المصري وعشنا آمال الثمانية عشر يومًا في ميدان التحرير.

 وهنا يطرح التساؤل نفسه هل هناك علاقة بين فقدان القدرة على الحلم حين ندخل في دائرة الثلاثينيات؟ ربما المناعة المكتسبة ضد المفاجآت وضد أي جديد فأصبح كل جديد متقبلًا لأن لم يعد هناك جديد تحت الشمس!
الجريدة الرسمية