رئيس التحرير
عصام كامل

شيخ الأزهر: انتشار الإسلام بحد السيف «أكذوبة»

الدكتور أحمد الطيب
الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر

أكد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، أن هناك أكذوبة يدحضها الواقع والتاريخ وسيرة النبي – صلى الله عليه وسلم- وهي أن الإسلام انتشر بالسيف.


وأضاف أن هذه الكلمة لم ترد في القرآن الكريم وليست من مفرداته وهذا أمر عجيب في كتاب ينزل في مجتمع تقوم فلسفته الاقتصادية والاجتماعية وعلاقاته على السيف ومنطق السيف، ومع ذلك لا يشير إلى السيف على الإطلاق بل أدوات القتال كلها لم يرد منها إلا الرمح مرة واحدة في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ»، وقد ورد (الرمح) هنا للتحذير من قتل الصيد في حالة أن تكون محرمًا وفي حالة أن تلقاه في الحرم، وليس  للتحريض على قتال المشركين.

وأشار إلى أن الحرب ذكرت في القرآن الكريم بمشتقاتها 6 مرات في مقابل ذِكر السلام 146 مرة، وهذا يدلك على أن مفردات القرآن الكريم تكره الحرب وتكره ذكر أدواتها، مشيرًا إلى أنه مع كثرة أسماء السيف في اللغة العربية وزيادتها عن ألف اسم كما في «تاج العروس»، لم تُذكر أي من هذه الأسماء في القرآن الكريم لا مفردة ولا مثناة ولا مجموعة.

وأضاف  في حلقة من برنامجه (الإمام الطيب) الذي يذاع يوميًّا طوال شهر رمضان المعظَّم على التليفزيون المصري وقنوات سي بي سي إكسترا، وإم بي سي مصر، وتليفزيون أبو ظبي وعدد من القنوات الفضائية الأخرى، أنه «في إطار القراءة في كتب التراث ورد تقسيم للعالم أو المعمورة -على حد تعبير بعض المستشرقين- إلى دارين: دار الإسلام ودار الكفر أو دار الحرب، ومع الأسف الشديد نجد كثيرًا من جماعات العنف المسلح تستخدم هذه المفردات في خطابها الذي تروج فيه للعنف».

وقال الطيب: «ودعنا نتفق على أنه لا يصح أن تُحاكمَ الأديان إلا بنصوصها، إذ نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة حتى أقوال الصحابة الكرام لم يرد فيها مثل هذا التقسيم، بل جاء -هذا التقسيم- من الأحكام التي أنشأها واقع معين، ولذلك يجب التفريق بين الأحكام التي أنشأها فقه الواقع وبين فقه النص».

وأضاف أن فقه الواقع دائما لا يعتمد على نص؛ لأنه مرتبط بحادثة معينة، وقال: «ذكرنا قَبْلُ أن العلاقات الدولية كانت في فوضى في ذلك الوقت»، والحروب كانت تنطلق من منطق «إن لم أقض عليك سوف تقضى عليَّ» وهذا المنطق أضر بالمسلمين؛ لأن الجميع آنذاك كان يتربص بالإسلام، وفي هذا الجو نشأت هذه التسمية (دار الإسلام ودار الحرب) لكن الواقع تغير وانقلب رأسًا على عقب.

وأوضح الإمام الأكبر أن الحديث الذي يَتذرَّع به الذين يدعون أن الإسلام انتشر بالسيف: «بُعِثْتُ بين يَدَيِ السَّاعة بالسَّيف، حتى يُعبَدَ اللهُ وحدَه لا شريك له، وجُعِلَ رِزْقي تحت ظلِّ رُمْحي، وجُعِلَ الذَّلُّ والصَّغار على مَنْ خالَف أمري، ومَنْ تَشَبَّهَ بقومٍ فهو منهم» - رواه الإمام أحمد في مسنده الذي يشتمل على أحاديث صحيحة وأحاديث حسنة وأحاديث ضعيفة بل وأحاديث موضوعة كما قال الحافظ العراقي: «وأما وجود الضعيف فيه -في المسند- فهو محقق بل فيه أحاديث موضوعة».

وأكد أنه لا يحتج بأن الإمام البخاري ذكره؛ لأنه ذكره في تعليقاته بصيغة يسمونها صيغة التمريض، ومن ناحية المتن فإنه يتعارض مع أكثر من مائة آية في القرآن الكريم تؤكد أن النبي - صلى الله عليه وسلم- بعث بالسلام، قال تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»، وقال- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» ومَن قال هذا الكلام لا يمكن أن يقول بعد ذلك: «بُعِثْتُ بين يَدَيِ السَّاعة بالسَّيف».

واختتم حديثه بأن القاعدة تقول: إن الحديث إذا عارض القرآن الكريم نُظِرَ في أمره، يقول الإمام الحافظ الخطيب البغدادي  في كتابه القيم (الفقيه والمتفقه): «إِذَا رَوَى الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ خَبَرًا مُتَّصِلَ الْإِسْنَادِ رُدَّ بِأُمُورٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُخَالِفَ مُوجِبَاتِ الْعُقُولِ فَيُعْلَمُ بُطْلَانُهُ، لِأَنَّ الشَّرْعَ إِنَّمَا يُرَدُّ بِمُجَوِّزَاتِ الْعُقُولِ، وَأَمَّا بِخِلَافِ الْعُقُولِ، فَلَا. وَالثَّانِي: أَنْ يُخَالِفَ نَصَّ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ ، فَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ أَوْ مَنْسُوخٌ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يُخَالِفَ الْإِجْمَاعَ، فَيُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ لَا أَصْلَ لَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا غَيْرَ مَنْسُوخٍ، وَتُجْمِعُ الْأُمَّةُ عَلَى خِلَافِهِ»، وبهذا يُرَدُّ حديث: «بُعِثْتُ بين يَدَيِ السَّاعة بالسَّيف».

الجريدة الرسمية