رئيس التحرير
عصام كامل

معاناة اللاجئين اليمنيين المنسيين في جيبوتي

فيتو

تسبب تصعيد القتال في اليمن عام 2015 بنزوح آلاف اليمنيين إلى جيبوتي عبر مضيق باب المندب (باب الدموع) في جنوب البحر الأحمر.

واكتسب المضيق اسمه من كثرة ما ذُرف من دموع على البشر، الذين لقوا حتفهم أثناء محاولتهم عبور المضيق ذي العرض البالغ ثلاثين كيلو مترًا، حيث استقر الكثير من اللاجئين اليمنيين بعد عبورهم المضيق على أطراف مدينة أوبوك الواقعة على أطراف الصحراء ومباشرة على زاوية القرن الأفريقي، لا ترحب المدينة بالغرباء.

وتقتصر الخدمات في المخيم على الحد الأدنى من الأساسيات، وهناك مدرسة افتتحتها إرسالية مسيحية لتعليم التلاميذ واليافعين القراءة والكتابة، وبعض الأشياء الأخرى التي تفيدهم في حياتهم.

وتقول مارينا فيشونا، متطوعة مسيحية من لوس أنجلوس أمضت العام المنصرم في المخيم: "يهمنا أمر كل فرد وكل طالب، الجميع له قيمة ومستقبل يجب الاهتمام به، يستحق الجميع الاستثمار فيه"، مضيفة: "ما نفعله يعطي العائلات شعورًا بعودة الحياة الطبيعية إلى مجراها وتمنح الآباء بعض الراحة نظرًا لأن هناك من يساعد بتدريس الأطفال وتعليمهم الصح والغلط وإشغالهم بأشياء يفعلونها في هذه الصحراء"،

تتابع مارينا: "وحده، منظرالجمال وهي تذهب وتجيء يكسر رتابة اليوم الطويل في المخيم، وخصوصا في أيام رمضان حيث تصل درجات الحرارة إلى 38 درجة مئوية وأكثر. يسكن الخيام يمنيون من مختلف أنحاء اليمن ومن كل مشارب ودروب الحياة: من صيادي السمك الأغنياء إلى المهنيين الأثرياء والبسطاء الفقراء".

"أهلا بكم إلى العصور الوسطى"، يقول على ويرفع بيده قطعة قماش، موضوعة كباب للخيمة، والابتسامة لا تفارق محياه. في زاويتي الخيمة بابان يؤديان إلى خيمتين إضافيتين، يعيش على ووالدته وإخوته الخمسة هنا، يذهب اثنان من إخوته إلى المدرسة حيث يدّرس على متطوعًا. قبل فرارهم من اليمن عاش على وعائلته حياة أفضل بكثير من هذه في العاصمة صنعاء، قبل أن يقضي والده إثر انفجار قنبلة.

ويقول شقيق علي ذو الثمانية عشر ربيعًا: "كان مستقبلي في اليمن عندما كان لي أب ولديه دخل. ولكن إذا عدنا سنبدأ من الصفر. قبل موت الوالد كنا نعتمد عليه. ولكن الآن على من نعتمد؟".

تقول إحدى النسوة، اللواتي كنا يتناقشن فيما يفتقدنه هنا في المخيم: "احتضن المخيم نحو 30 ألف لاجئ في أكثر أيامه اكتظاظًا، أما اليوم فلا يقيم فيه إلا ما يقارب ال 1000، فقد بدأ اللاجئون بالعودة إلى اليمن. "لا شيء يغني عن الوطن".

وتتابع "حتى عندما يكون حالك أحسن في مكان آخر خارج الوطن، لا يمكن مقارنة هذا المكان بالوطن. الوطن أفضل مكان على وجه البسيطة، حيث مرابع الطفولة والصبا، والعادات والتقاليد والمساجد والثقافة. نفتقد كل شيء: أنفاس اليمن وعبق أمواجه وحتى أصغر التفاصيل. نفتقد حتى بقّال الحي".

وتقول دينا (44 عامًا)، إنها خططت للعودة إلى اليمن، غير أن الشكوك تعتريها الآن بعد تلقيها مكالمة هاتفية من ابنها، الذي عاد لمتابعة دراسته الجامعية، إذ أخبرها أن قتالًا ضاريًا لا يزال دائرًا هناك.

يقول شيخ أحد القبائل اليمنية، ذو الـ45 سنةً، والذي فضل عدم ذكر اسمه لحساسية موقعه. "لم يكن لدى المتمردين الحوثيين شيئًا، جاؤوا وأخذوا كل شيء وقتلوا الكثيرين، "متى سيحل السلام؟ ربما بعد ثلاثين سنة، بعد موت هذا الجيل ومجيء جيل جديد محب للسلام ومحب للآخر"، مضيفا: "لا بد أن أحدًا ما يقف وراءهم، وإلا كيف كانوا سيحصلون على مثل تلك الأسلحة".

وقع اليمن ضحية لحرب بالوكالة بين السعودية التي تدعم قوات الحكومة اليمنية، وإيران التي تدعم المتمردين الحوثيين. وحسب اليمنيين هنا في المخيم فإن المتمردين الحوثيين ارتكبوا أكثر وأسوأ الفظائع في الحرب الدائرة في اليمن.

تتذكر مارينا كيف أنها طلبت في أحد الأيام من تلاميذ المدرسة رسم لوحة لصف مدرسي، ولكنها وجدت نفسها أمام لوحات مليئة بالخرابيش والبيوت المدمرة والقوارب المستهدفة بالقصف وأشلاء ودماء. لدى عبور بعض اللاجئين لمضيق باب المندب تم قصف قواربهم من البر من قوات لم تعرف هويتها.

وتقول مارينا يعاني لاجئون كثيرون من اضطرابات ما بعد الصدمة، وغالبًا ما ينسى العالم هذه المشكلة في زحمة المصائب الأخرى.

وتتابع: "مؤسسات الإغاثة الدولية تعمل وفق برامج ومشاريع؛ أي أنها لا تفصل عملها على مقاس الأفراد. الشخص المصاب باضطرابات ما بعد الصدمة يحتاج لرعاية خاصة. طريقة عمل تلك المؤسسات يفقد البشر إنسانيتهم ويتعامل معهم كما لو كانوا أشياء، نحن-ككنيسة- نرى ونتعامل مع البشر كأفراد وليس كمجموعات. الأمر لا يتعلق بميزانية المشروع، بل يتعلق بالإنسان الفرد".

لقيت الحكومة الجيبوتية انتقادات بسبب عدم قيامها بما يكفي من الجهود لمساعد اللاجئين. غير أن مارينا تشير إلى أن وزارة التربية ساعدتها عندما أخذت مجموعتين من الطلاب إلى جيبوتي العاصمة لتقديم الامتحانات. "تفعل الحكومة ما بوسعها. فهي أنقذت آلالاف الأرواح. وتستحق الشكر لفتح حدودها للناس الذين لم يكن لهم مكان آخر يلجئون إليه".

وقال السفير الأمريكي الذي زار المخيم واستضاف طلاب مدرسة المخيم في سكنه عند تقديمهم الامتحانات في العاصمة، مضيفا: "بلغ عدد اللاجئين اليمنيين نحو 35 ألفًا وهو يشكلون نسبة كبيرة مقارنة بعدد سكان جيبوتي البالغ نحو نصف مليون نسمة، بعد انتهائهم من تقديم الامتحانات، يعود الأطفال إلى حياتهم السابقة المملة الرتيبة في المخيم".

لا يزال الخوف مخيمًا على الكثيرين مثل غادة (20 عامًا) التي كانت بين من قدموا الامتحانات في العاصمة، فمن الواضح أن الكلمات لا تسعفها للإجابة على سؤال "ما درجة سوء الوضع في اليمن، قبل أن تغادريه؟".

وأضافت مارينا: "تزيل مدرستنا بعض الخلافات المناطقية وبعض الجروح والندوب التي خلفتها الحرب في النفوس. ارتكب الكثير من اليمنيين فظائع في الحرب، ولكن تبقى مدرستنا هي من تضم طلابا من مختلف أنحاء اليمن-ومن الآباء والأبناء- وتعيد توحيدهم كشعب واحد".

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية