«ورقة بيضاء» بقلم «مارينا فارس»
"حين بدأ الطريق الممهد للسعادة يلوح من بعيد بدء عصر جديد سوف تسير فيه كل الأمور حسب هوي قلبي، وأخيرًا غابت المباني الأسمنتية القبيحة عن النظر وانطوت كلها خلف عجلات السيارة ولم يبق سوي المشهد الأخضر للحقول الممتدة على جانبي الطريق كنهرين من الخير..."
بتلك الكلمات القليلة زين فراغ صفحة من صفحات المذكرة الصغيرة، لطالما كان يكره الفراغ الأبيض، أو بمعني آخر أكثر دقة يكره أن يراه أبيض!! بالنسبة له الصمت أبيض، الفراغ أبيض، والموت أيضًا أبيض. الفراغ الذي يحتل لا شيء سوي أفكاره. تلك المذكرة تلازمه دائمًا، عسي أن يمضي أيامًا لا يلمس قلمه سطورها، لكنه لا يستطيع مغادرة المنزل بدونها. دائما يشعر أن الأفكار ستباغته في أي وقت ويجب أن يستعد لاستقبالها على وجه إحدي صفحاتها الذي اختارها بلونه المفضل، لون البحر !!. بدونها يشعر بوحدة واغتراب عن عالمه المفضل، عالمه الأوسع. ذلك العالم الذي يكون فيه هو سيد أحلامه، حين يطاوعه المستحيل بكلمتين على سطر باهت. حين يلهو كطفل صغير في حديقة الجيران المحرمة فيقطف أزهارها ثم ينزع عنه المنطق ليركض في شوارع روحه عاري القدمين.
كانت تلك الكلمات إحدي محاولاته لكتابة قصة التي غالبًا ما تقف عند لا شيء، حين يهم برسم الشخصيات وتخيلها حتى يفشل في اختيار مصير مناسب لها فتهرب الألفاظ من بين قلمه وتبتعد كل الشخصيات عن صفحاته لتختار مصيرها بنفسها – ربما- في عقله. لكنه يثق دائمًا أنه يوما ما سيكتب قصة طويلة، أروع وأطول من أي شيء كتبه. وأنه ذات يوم ستمر به فكرة تستحق أن تسجل بحبر من دماء قلبه، عندها سيمتلك نهاية الحكايات. ذات يوم لا يعرف عنوانه سيكتب حتى يمل قلمه ويتوسل اصابعه أن ينالها الملل. ذات يوم ستنفجر الأفكار في رأسه محدثه فيض من الحكايات ستعدو على أثره الكنايات من بين أصابع يده كأرانب جائعة، وسيأخذ جولة بين الكواكب ويظل يكتب حتى ينفد كل حبره.
بينما هو غارق في أفكاره يحملق في أفق بعيدة هبت رياح شتوية مفاجئة فقلبت صفحات مذكرته التي مازلت كلها يحتلها اللون الأبيض!!