رئيس التحرير
عصام كامل

ونوس والفلوس والشعب الموكوس


هبط علينا الشيطان في رمضان. منذ اليوم الأول للصيام، حل علينا ضيفا مبدعا متوهجا كاشفا. أترانى مادحا الملعون؟! مستحيل أن يجرؤ مسلم مؤمن، على أن يكيل المديح للطاغوت. إنما أعجز عن كبح جماح إعجابى بالعمل الفنى المتكامل تحت عنوان "ونوس".


يأتى مسلسل "ونوس" واحدا ضمن عشرات المسلسلات يكتظ بها البيت المصرى في شهر كريم جعله الله للعبادة، فجعله المصريون للأكل والشرب والوخم والفرجة و.. أخيرا العبادة. تختلط روائح الإيمان ونفحات الشهر العظيم، بنفحات فنية، تفلت من أسر معظم الأعمال الدرامية التي تحتفل احتفال الفرحان بعقله بعد جنون وغياب في الغيبوبة! معظم المسلسلات ضرب وشرب وركل وقتل وعري وعنف أمريكي، وتيمات كثيرة مسروقة، وبغباوة. ولن تجد مسلسلا دينيا واحدا.

"مسلسل فوق مستوى الشبهات" بطولة يسرا العائدة من التقادم والبلى إلى النجومية بقوة، عن شيطانة آدمية، جميلة أنيقة دكتورة في التنمية البشرية، لكنها شريرة ودميمة القلب والسريرة، ومسلسل ونوس، تدور وقائعه المتلاحقة حول الشيطان الذي يعيش بيننا، بعد أن أمهله الله إلى يوم القيامة، فوعد الرحمن بأن يملأ جهنم منا، إلا العباد المخلصين.

النص كتبه ببراعة وتوهج صوفى عبد الرحيم كمال، الذي قدم للفخرانى من قبل" شيخ العرب همام" مع صابرين وعمر الحريري وتيخة، من إخراج المبدع الغائب عنا في رمضان هذا العام الفنان حسنى صالح. أما الإخراج فلشادي يحيى الفخرانى، وفيه بصمة أعمق من أعماله السابقة، في إيقاع الصورة وظلالها ومختلف عناصرها الفنية ودراسة الشخصيات واستيعاب لمغزى الفكرة وسلطانها الآسر، وهو ما انعكس بوضوح ساطع في مباراة تحطيم الحواجز والأرقام القياسية بين النجمين الفخرانى ونبيل الحلفاوى.

ياقوت - الحلفاوى هو" فاوست" أو فا وستوس الرواية الألمانية الشهيرة للشاعر الألمانى جوته، مأخوذة عن أسطورة شعبية ألمانية تحكى عن عالم كيميائى منضبط وناجح قايض روحه الساخطة المتبرمة بعهد أبرمه مع الشيطان. يفتح له كل أبواب الشر والملذات والمعرفة والقوة، على أن يسلبه الشيطان روحه بعد ممات فاوست.

باع ياقوت نفسه إذن للشيطان، وبذل عمره في عبادته بكل الوساخات والخطايا، ولما أراد التحرر من أسره والعودة إلى الطهارة الروحية، وجد ونوس يطارده ليواصل عبوديته، وليدمر أفراد أسرته واحدا بعد الآخر. قيمة المسلسل الجوهرية تتجلى في سلاسة ورقى الحوار، وسمو أداء الفخرانى إلى منطقة تألق، وهو مدرك أنه يجسد للناس ما لا يمكن تجسيده، متفاديا أن يكرهه الناس، لكنه في لحظات الشر الشيطانى لا تملك إلا أن تلعنه. الشيطان طبعا.

يقدم "ونوس" عبدالرحيم كمال العائلة المصرية بأطيافها، المطرب والشيخ وسائق التاكسى والمدرسة المهووسة بأعمال السحر والشعوذة، ومن فوقهم الأم القوية المدافعة عن كيان أسرتها، بعد أن عاشت تربي أولادها دون عائل، فقد غاب ياقوت وتخلى بعد أن عاهد الشيطان منذ عشرين عاما على خدمته مقابل الفحش والثراء.

دور الأم المصرية ارتفع بهالة صدقى وارتفعت به إلى مرتبة عالية في التميز الفنى، أدته ببساطة وعمق، ونطق وجهها بأكثر مما زعقت حنجرتها، وعكست طبيعة وملامح الست المصرية المعيلة من الأسرة المتوسطة.

ونوس هو صراع النفوس على الفلوس، مقترنا بالشهوات والروادع الروحية، وينقل للمشاهد بلغة بليغة حرب الايمان مع الشيطان، ومجاهدة النزوات. فعلها النص والإخراج والأداء بدون فلسفة ولا تعقيد.

تحية واجبة لفن جيد، وألف لعنة على من قدموا الروث الفنى للشعب الموكوس،على الشاشة المصرية من تجار المخدرات والعهر والعنف في صورة مسلسلات.
ونوس يبصق على فنكم.. بالذوق والإبداع.
الجريدة الرسمية