رئيس التحرير
عصام كامل

عن تقريب المذاهب.. بلا رتوش


يسعى بعض الأفاضل في الأزهر الشريف إلى محاولة التقريب بين المذاهب، ترصد أحدث التقارير عن القتال في سوريا ضرواة المواجهة بين قوات جبهة النصرة والقوات الموالية لبشار الأسد، وتحديدًا قوات حزب الله وإيران، ويقول التقرير الذي نشرته صحيفة عربية إن القتال يبدو أكثر ضرواة لأنه يتسم بالطابع المذهبي، صاحب ذلك خبر إسقاط الجنسية البحرينية عن الشيخ عيسى قاسم، والذي علقت عليه صحيفة لبنانية بالقول إن السعودية تشعل البحرين، في إشارة إلى الطائفية السياسية التي أدت إلى القرار، والدعوة لتقريب المذاهب ستواجه فشلا مزدوجا لأسباب طائفية وسياسية.


المؤسف في كل الأحاديث المتواترة عن تقريب المذاهب أن كلا من الطائفتين السنية والشيعية في حقيقة الأمر لا يرغبان في التقريب في ظل تراث من الكتب يثير الفتنة بل يحرض كلا من الطائفتين، وفي ظل ذلك يضيع حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "كل المسلم على مسلم حرام دمه وماله وعرضه"، حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث عن أبي هريرة: "لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ههنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".

والسؤال أين هذا الحديث ممن يكفر مسلمي الشيعة الإثنى عشرية، والأزهر الشريف يقوم بتدريس المذهب الجعفري الذي تقوم عليه عقيدة الشيعة الإثني عشرية؟ وأين هذا الحديث ممن سحل وقتل الشيخ حسن شحاتة في أبو النمرس؟ التراث المتواتر والذي يتم دعمه بمقولة –إجماع العلماء– يكفر علماء الشيعة وبعضهم يخرجهم من الملة، حتى وإن قام الأزهر الشريف بتدريس مذهبهم.

على الجانب الآخر، لن يسمح التراث الموجود لدى الشيعة بفكرة التقريب بين المذهبين حتى وإن حدثوك بغير ذلك، فالتراث ينطوي على روايات تقول بضرب عمر بن الخطاب للسيدة فاطمة الزهراء ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورويات ضد الخلفاء أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، فضلا عن دعاوى سرقة الإمامة من سيدنا على بن أبي طالب رضي الله عنه.. ويذهب البعض منهم لسب الصحابة والنيل من سمعة السيدة عائشة رضي الله عنها.. وبينما يقول الشيعة أنهم لا يكفرون غيرهم من الطوائف، فإن الكراهية ستعصف بمبدأ التقريب، فالهدف من تقريب المذاهب ليس التوقف عن تكفير المسلمين لبعضهم البعض، ولكن بشكل أسمى إزالة الكراهية والحقد من قلوب المسلمين.

من الناحية السياسية، فإن كارثة الحرب المستمرة في سوريا أصبحت عنوانا عريضا للفتنة المذهبية، فضلا عن تدخل السعودية في اليمن وتدخل حزب الله في سوريا، والأمران في حقيقتهما –وبدون روتوش– لهما جوانب سياسية وطائفية، فحزب الله الذي يقاتل لنصرة نظام بشار الأسد دخل في قتال ظائفي ضد جماعات سنية وإن اعترف الجميع بإرهابية الكثير منها. 

والحزب يدافع عن النظام السوري رغم تسلط وجبروت النظام السوري الذي سيطر على لبنان حتى خرج عام 2005 حتى تسمع رويات تسلط وتجبر النظام السوري وجيشه من جمهور حزب الله نفسه، القوات العربية التي تقاتل في اليمن لا يعينها من يكون الرئيس اليمني ولكن يعنيها ألا يتحول الحكم في اليمن من الطائفة السنية إلى الحوثيين الشيعة، هكذا وبلا رتوش.

لب المشكلة إذًا أن المستهدفين من تقريب المذاهب لا يرغبون في التقريب، وأن حقيقة رغبة الطائفة الشيعية في التقريب يهدف في حقيقته إلى تحقيق مكاسب سياسي، وهو ما تواجهه حكومات بعض الدول العربية بشكل سياسي واضح.. وستجد نفسك في تناقض المتضادين، فمن الناحية السياسية يعاب على إيران التدخل في الشئون الداخلية لدول عربية واتهامها بنشر المذهب الشيعي، بينما تسمح دول عربية لنفسها بالتدخل في دول عربية لإسقاط حلفاء إيران، والأصل هو عدم تدخل الدول في الشئون الداخلية لدول أخرى.. ولكنك ما إن تواجه هذا أو ذاك بهذا التناقض ستجد كلاهما إما أن يضحك مبتسمًا أو يحمر لك عينه متسائلا: هو أنت موش معانا ولا إيه؟

من يرغب في التقريب بين المذاهب عليه أن يضع الصراع السياسي التاريخي جانبًا، وأن يكًفر المكاسب السياسية التي تتحق على حساب دماء المسلمين، ويؤمن بأن وحدة المسلمين تتطلب حقن دمائهم في سوريا وفي العراق وفي لبنان وفي اليمن، وأن الله عز وجل أعطى الحق في محكم التنزيل لمن شاء أن يومن ولمن شاء أن يكفر، وأن يتوقف الجميع عن الباس الحق بالباطل وعن أقوال الحق التي يراد بها باطل وأن يتقوا الله في المسلمين وفي الإنسانية جمعاء، فالرسول صلى الله عليه وسلم جاء "رحمة للعالمين" ولم تكن دعوته ليقتل المسلمون بعضهم البعض، أو لزرع الكراهية والحقد في قلوب طائفة ضد الأخرى.
الجريدة الرسمية
عاجل