محاكمة الهلالي وواضعي الامتحانات مع المسربين
"يا مغرب خرب" مثل معروف يقال لمن اقترب إبعاده عن موقعه الوظيفي، فيتعمد التخريب انتقامًا من الجميع حتى يترك المكان أنقاضًا، وهذا ما يحدث حاليًا في وزارة التربية والتعليم، خصوصًا من الوزير الهلالي الشربيني ومعه واضعي امتحانات الثانوية العامة وقيادات الوزارة.
فشل الوزير فشلا ذريعًا في منع تسريب الاختبارات أو إيقاف الغش الإلكتروني وكذلك الغش الجماعي في اللجان، كما لم يتمكن من منع دخول الهواتف إلا في أماكن محدودة وغير ذلك الهواتف متاحة للطلبة بطرق ووسائل عديدة.
أمام الفشل المبين والهجوم الكاسح على الوزير ومنظومة التعليم، لم يجد الهلالي وقيادات وزارته وواضعو أسئلة اختبارات الثانوية العامة، إلا "التنفيس" في طلاب الثانوية العامة بإعداد امتحانات تعجيزية صدمت الممتحنين وأضاعت جهد وتعب شهور من الدراسة والسهر، كما حصل في امتحان "التفاضل والتكامل" الذي افتتح "رباعية" اختبارات الرياضيات، وكانت النتيجة وجوم وبكاء وعويل وإغماءات ونحيب أمهات، وكأن الهلالي وواضعي الاختبارت أرادوا إحباط أبنائنا من البداية كرد فعل لفشلهم الإداري كقيادات وعجزهم عن المواجهة وإيجاد الحل لإنقاذ منظومة التعليم المخترقة من جميع الجهات.
حاول الهلالي نفي صعوبة اختبار الفيزياء الذي شهد انتحار طالبة وآلاف الشكاوى، مشيرا إلى نيل طلاب الدرجات النهائية في تصحيح العينة العشوائية، لكنه لم يتحدث عن انخفاض نسبة النجاح بشكل عام في العينة ذاتها، ولم يشر إلى أن الطلبة "المحظوظين" الذين وصلتهم الأسئلة والإجابات النموذجية عن طريق التسريب كان طبيعيا أن ينالوا الدرجة النهائية، كما لم يقر بأن الاختبار أصعب من نظيره عام 2008 الذي كان مثار شكوى مصر كلها!!
من صدمة الفيزياء إلى تعجيز "التفاضل والتكامل" ثم صعوبة "الاستاتيكا"، كانت الأسئلة والاجابات تنشر على الإنترنت بعد دقائق من بدء الاختبار، ما يعني أن الامتحانات تم تسريبها في وقت سابق، وهو ما اعترف به أدمن صفحة "القيصر بيغشش ثانوية عامة" لموقع "مصراوي"، حيث نشر إجابة امتحان "الاستاتيكا" بعد 5 دقائق فقط من بدء الاختبار، مؤكدا أن "أسئلة امتحانات "الجغرافيا والاستاتيكا والأحياء" مسربة قبل الاختبارات بيومين"، موضحًا أنه ينشر الامتحانات "حفاظًا على كرامة الطالب، ورفضه ضياع أحلام الطلاب في دخول الكليات التي يتمنونها بسبب صعوبة الامتحانات، والدروس الخصوصية التي يلجئون إليها في ظل غياب التعليم بالمدارس، وحالات الانتحار والإغماء التي حدثت منذ بدء امتحانات الثانوية العامة".
ضبطت الداخلية أدمن صفحة "شاومينج بيغشش ثانوية عامة" فاعترف بأنه اتفق مع رئيس لجنة المراقبة على عدم تفتيشه، وكان يدخل الامتحان بهاتفه ويصور الأسئلة ويرفعها فورا على الصفحة، كما قبضت على أدمن صفحة "غشاشون - الخفافيش"، فضلا عن 4 متهمين أنشأوا مجموعتين "واتس آب" هما "مكملين وأدمن مخدرات"، لتسريب الأسئلة والإجابات قبل الامتحانات مقابل تحويلات مالية، هذا إلى جانب اعتراف مسئول المطبعة السرية بوزارة التربية والتعليم الذي شكل عصابة من أهله لتسريب الامتحانات والإجابات النموذجية مقابل مبالغ مالية.. وبعد كل هذا استمر التسريب ما يعني أن الوزارة موبوءة والأفعى لها رءوس كثيرة، ولا حل إلا باقتحام عش الدبابير وتطهيره عن بكرة أبيه.
اضطرت الجزائر إلى إلغاء اختبارات الثانوية العامة مطلع الشهر الجاري نتيجة تسريب تحول إلى قضية سياسية وأمنية استدعت إجراء تحقيق واسع النطاق تم على إثره اعتقال عشرات الأشخاص بينهم معلمون ومسئولون، ويخضع الطلاب هذا الأسبوع لاختبارات جديدة وسط إجراءات مشددة اتخذتها الحكومة الجزائرية منها: "حجب مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا "فيس بوك وتويتر" حتى نهاية اختبارات البكالوريا.. فرض إجراءات أمنية مشددة بمشاركة قوات الجيش والشرطة والدرك.. كما يتعين على واضعي الأسئلة الانقطاع عن العالم الخارجي شهرا كاملا حتى نهاية الامتحانات، مع منعهم من استخدام الهاتف والإنترنت لضمان عدم تسريب الاختبارات".. فأين قيادات وزارة التعليم عندنا من هذه الإجراءات؟!
أخيرا عانى طلابنا الأمرين في مدارس بلا تعليم، ومراكز دروس خصوصية تأكل الأخضر واليابس، ثم وجدوا أنفسهم بعد تعب عام كامل بين سندان انتقام الوزير وواضعي الامتحانات، ومطرقة تسريب الامتحانات من عصابة الوزارة والغش الإلكتروني، ما يستوجب محاكمة الوزير الهلالي وواضعي الاختبارات على ما اقترفوه من إثم في حق الطلاب وهو لا يقل عن جريمة التسريب التي ارتكبتها عصابة الوزارة.