رئيس التحرير
عصام كامل

مفاهيم إسلامية.. التسامح


"لولا الحب ما كان التسامح" كلمة قالها أحد الصالحين -رضي الله عنه- تعبر عن أهمية الحب والتسامح، وأثرهما في حياة المسلميــن.

يعتبر التسامح أحد المبادئ الإنسانية والأخلاقية، وما نعنيه هنا هو مبدأ التسامح الإنساني والأخلاقي، كما أن التسامح في دين الإسلام يعني نسيان الماضي المؤلم بكامل إرادتنا، وهو أيضًا التخلي عن رغبتنا في إيذاء الآخرين لأي سبب قد حدث في الماضي، وهو رغبة قوية في أن نفتح أعيننا لرؤية مزايا الناس بدلًا من أن نحكم عليهم ونحاكمهم أو ندين أحدًا منهم.


والتسامح أحد روافد الحب ونتائج الشعور بالرحمة، والتعاطف، والحنان، ومهمٌّ لنا ولهذا العالم من حولنا.. والتسامح أيضًا أن تفتح قلبك، وألا يكون هناك شعور بالغضب ولا لوجود المشاعر السلبية لأي شخص أمامك.

وبالتسامح تستطيع أن تعلم أن جميع البشر يخطئون، ولا بأس بأن يخطئ الإنسان.

والتسامح في اللغة معناه أيضًا التساهل؛ فبالتسامح تكون لك نصف السعادة، وبالتسامح تطلب من الخالق أن يسامحك ويغفر لك.. وبالتسامح تسامح أقرب الناس إليك؛ والديك وأبناءك وإخوانك، وجيرانك، وزملاءك، وكل من أخطأ بحقك، كما أن التسامح ليس بالأمر السهل إلا لمن يصل إليه فيسعد، ونعني بالتسامح أيضًا أن تطلب السماح من نفسك أولًا ومن الآخرين.

قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى".

وروي عن "عبادة بن الصامت" أنه قال: "يا نبي الله أي العمل أفضل؟"، قال: "الإيمان بالله والتصديق به والجهاد في سبيله"، قال: "أريد أهون من ذلك يا رسول الله"، قال: "السماحة والصبر".

والقرآن الكريم يحفل بدعوة المسلمين إلى التسامح؛ والبر بغير المسلمين ما داموا في سلم مع المسلمين؛ قال الحق تبارك وتعالى: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ *".

وصدق الله العظيم: "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ".

وأمر الإسلام بالرفق في الدعوة إليه، ومناقشة المخالفين بالحسنى؛ قال - جل شأنه - "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ".

وبيَّن الله للنبي -صلى الله عليه وسلم-أنه مكلَّف أن يبلغ الدعوة، ويبشر بالإسلام، وليس مكلفًا أن يحمل الناس عليه بالقوة؛ قال تعالى: "فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ".

وحض النبي -صلوات الله وسلامه عليه- على التسامح، وحبَّبه إلى المسلمين بقوله وفعله.

وإذا نظرنا ودققنا النظر في سماحة الإسلام في شخص النبي -صلوات الله وسلامه عليه- لوجدناها تتجلى في أحسن صُوَرها حينما فتح مكة، فقال لأهلها الذين آذوه أشد الإيذاء: "ما تظنون أني فاعل بكم؟"، قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال لهم -صلوات الله وسلامه عليه - "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

والإسلام دين يدعو إلى العفو والصفح عند المقدرة، وأنَّ من يتسامح في حقه ويعفو، ويصفح عن المسيء إليه يكون نبيل الخلق، عظيمَ الشأن، متساميًا عن الدنايا؛ قال الله - سبحانه وتعالى - "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ".

فالإسلام يجيز أن ترد الإساءة بالمثل؛ فتعاقب المسيء بمثل ما آذاك به، ولكن المثل الأسمى في الإسلام أن تُحسن إلى من أساء إليك، وتعفو عمن ظلمك.

قال - جل شأنه - "وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا".. ثم قال بعد ذلك: "مَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ.. وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ".

فالإسلام يجيز المعاملة بالمثل، ولكنه يشجع على العفو والمغفرة عند المقدرة، وهذا هو النبل وكرم الخلق، والعظمة الإنسانية، والتسامح في المعاملة، وليس ذلك من الضعف مطلقًا.

وقد أمر الله نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - بلِين الجانب، وحسن المعاملة، والتواضع للمؤمنين، كما أمره بالتبرؤ من عملهم إن عصوه فيما أرشد إليه وحثهم عليه؛ ذلك قول الله - تعالى - "َاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ".

لذا علينا أن نعامل الناس جميعًا بالرفق، واللين، والتواضع، سواء المطيع منهم والعاصي، والمحسن منهم والمسيء؛ فالإسلام دين التسامح والسلام، دين الرحمة والعفو والعدالة، لا دين القسوة، والغدر، والتعذيب، والظلم.
الجريدة الرسمية