رئيس التحرير
عصام كامل

أوامر القرآن المنسية!


كثيرون يعتقدون أن أوامر القرآن هي للصلاة والصيام والزكاة والحج وللجهاد والإنفاق في سبيله فقط، ويتجاهلون عمدا أو سهوا أن أوامر القرآن الكريم كثيرة جدا تكاد تنظم حياتنا كلها من حق العبور الآمن للشوارع والطرقات في قوله "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم" ولو التزمنا بها ما اقتربنا أصلا بأي حال من الأحوال من جرائم الشارع، بل أن من الأمر السابق إلى حرمة البيوت في قوله "يا ايها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها" وهي بمعايير اليوم لا تعني بطبيعة الحال الوصول إلى أبواب الآخرين لنستأذن ونسلم إنما تعني الزيارات في الأوقات المناسبة وتحديد مواعيدها هاتفيا أو بالوسائل المتاحة إذ أن الهدف في الأخير هو احترام خصوصيات الناس وعدم إزعاجهم، وهنا ربما يعتذر أحدهم عن استقبال ضيفه، أو يطلب تأجيل الموعد أو حتى لا يرد على الهاتف مرة أو أكثر..


لذلك جاءت القاعدة الأساسية في القرآن لمثل هذه المواقف وغيرها وهي في الآية "يا ايها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم" ولذلك ليس علينا تأويل أو تفسير سلوك غيرنا بطريقة سلبية وأن نتعامل بالظاهر ونترك السرائر والضمائر لله وحده لا نبذل جهدا لإثبات تصوراتنا وأوهامنا ولذلك جاءت بقية الآية لتقول "ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا" إلا أن الأوامر لا تتوقف حيث نأت للأمر المباشر لعيب أخلاقي يحدث كثيرا في أيامنا حيث يقول تعالي "يا ايها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن" ثم يتبعها مباشرة بقوله "ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب"..

ولا تلمزوا أنفسكم نجدها كثيرا في أيامنا من اعتقاد البعض أنه شجاع فيواجه غيره بعيوبه، حيث يتلاشي الخط الفاصل بين الشجاعة والوقاحة، وهذا يتكامل مع الآية التي تقول "ويل لكل همزة لمزة" وفي حين يأمرنا القرآن بذلك لا يترك التوجيه الأسلم لمعالجة أمور كثيرة وخصوصا في ارتكاب الأخطاء والجرائم فيقول "ولا تزر وازرة وزر أخرى" حيث نجد أن العقاب بل والانتقام يمتد في أيامنا لغير المخطئ بغير ذنب ارتكبه أو فعل أتي به هو بنفسه ثم يأت الأمر المباشر الذي هو أقرب إلى الوصية في قوله "ولا تنسوا الفضل بينكم" وهي دعوة ربانية أن نتذكر دائما الصنائع الطيبة لغيرنا، وأن نتحلي بأخلاق لا تقبل أن ننسي أفضال الآخرين وما قدموه لنا في أي مناسبة أو بأي طريقة وخصوصا بين المتخاصمين ومنهم أزواج وزوجات، ومنهم شركاء في المال، ومنهم زملاء في العمل ومنهم أهل في الميراث، ومنهم ومنهم بما لا يمكن حصره!

هذا ديننا وهذه بعض أوامره المباشرة من رب العزة وهي كلها قطعية لأنها من كتاب الله وليست ظنية مثل السنة وليست بشرية مثل أقوال الفقهاء وكثيرة هي الأوامر والنواهي، وكثير هو المتروك منها بكل أسي، ولو التزمنا ببعضه لصنعنا بأنفسنا لأنفسنا المدينة الفاضلة!
الجريدة الرسمية