رئيس التحرير
عصام كامل

«القنطرة» جسر المظالم بعد الصراط يوم القيامة

فيتو

بعد المرور على الصراط يوم القيامة يأتي دور القنطرة، وقد اختلف في هذه القنطرة، حتى أن البعض ذكر أن هناك صراطين للمرور عليهما وليس واحد.

وقد روي أن الله يلقي على الناس يوم القيامة ظلمة حالكة السواد، فلا يستطيع أحد في أرض الموقف أن يخطو خطوة واحدة إلا بنور، قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه "فمنهم من يكون نوره كالجبل، ومنهم من يكون نوره كالنخلة، ومنهم من يكون نوره كالرجل القائم، ومنهم من يكون نوره على إبهامه يتقد مرة وينطفئ مرة وهذا أقلهم نورًا، ومنهم من تحوطه الظلمة من كل ناحية" رواه أحمد وصححه الألباني.
المقاصة
ويقول علماء الدين الإسلامي إنه إذا خلص المؤمنون من الصراط حبسوا على قنطرة- جسر آخر- بين الجنة والنار يتقاصون مظالم كانت بينهم، وهؤلاء لا يرجع أحدٌ منهم إلى النار، لعلم الله أن المقاصة بينهم لا تستنفذ حسناتهم، بل تبقى لهم من الحسنات ما يدخلهم الله به الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: "يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيُقَصُّ لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هُذبوا ونُقوا أُذن لهم في دخول الجنة فو الذي نفس محمدٍ بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا". وهذا الصراط خاص بتنقية المؤمنين من الذنوب المتعلقة بالعباد حتى يدخلوا الجنة وليس في قلوبهم غلٌ ولا حسدٌ لأحدٍ، كما وصف الله أهل الجنة.
وقال: "وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ" الحجر47. ويقصد بالتقاص بينهم أي "تتبع ما بينهم من المظالم، وإسقاط بعضها ببعض"، حتى يخلصوا من الآثام بمقاصة بعضها ببعض، قال ابن حجر: "ويشهد لهذا الحديث قوله في حديث جابر الآتي ذكره في التوحيد: "لا يَحِلُّ لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّة وَلأَحَدٍ قِبَلَهُ مَظْلِمَة".

وأخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن الحسن قال: "بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُحْبَس أَهْل الْجَنَّة بَعْد مَا يَجُوزُونَ الصِّرَاط حَتَّى يُؤْخَذ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْض ظُلامَاتُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّة وَلَيْسَ فِي قُلُوب بَعْضهمْ عَلَى بَعْض غِلٌّ".
وقيل إن القنطرة طرف الصراط مما يلي الجنة، وقيل إنها بينه وبين الجنة. وحديث "القنطرة" هو حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقص لبعضه من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة بمنزله كان في الدنيا".
تتمة الصراط
وقال الحافظ: "واختلف في القنطرة المذكورة فقيل: هي من تتمة الصراط وهي طرفه الذي يلي الجنة وقيل أنهما صراطان وبهذا الثاني جزم القرطبي". وفي كتاب (المظالم) رجح الحافظ الأول فقال:"الذي يظهر أنها طرف الصراط مما يلي الجنة، ويحتمل أن تكون من غيره بين الصراط والجنة".
وذكر القرطبي أن الصراط صراطان في كتابه التذكرة فقال:"أعلم رحمك الله أن في الآخرة صراطين: أحدهما مجاز لأهل المحشر كلهم ثقيلهم وخفيفهم إلا من دخل الجنة بغير حساب، أو من يلتقطه عنق النار فإذا خلص من هذا الصراط الأكبر الذي ذكرناه ولا يخلص منه إلا المؤمنون الذين علم الله منهم أن القصاص لا يستنفذ حسناتهم حبسوا على صراط آخر خاص لهم ولا يرجع إلى النار من هؤلاء أحد إن شاء الله لأنهم قد عبروا الصراط الأول المضروب على متن جهنم الذي يسقط فيها من أوبقه ذنبه، وأربى على الحسنات بالقصاص جرمه".
وقال العيني عند ذكر القنطرة: "قيل هذا يشعر بأن في القيامة جسرين، هذا والذي على متن جهنم المشهور بالصراط. واجب بأنه لا محذور فيه، ولئن ثبت بالدليل أنه واحد فتأويله أن هذه القنطرة من تتمة الأول".
وقال العلماء إن الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصراط واحد، ولم يذكر صلى الله عليه وسلم أن الصراط صراطان "مجاز أو خاص" كما ذكر القرطبي.
والمرجح أن القنطرة جسر بين الجنة والنار لا علاقة له بالصراط كما هو ظاهر حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وظاهره يدل أيضًا على أن المؤمنين خلصوا أي فرغوا وانتهوا من المرور على الصراط كما قال الحافظ: "إذا خلص المؤمنون من النار"، أي نجوا من السقوط فيها بعد ما جازوا على الصراط.
وكما قال القرطبي "معنى يخلص المؤمنون من النار أن يخلصوا من الصراط المضروب على النار"، ويشهد لذلك حديث ابن مسعود الطويل الذي يصف فيه النبي صلى الله عليه وسلم مرور الناس على الصراط فقال فيه: "حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه تخر يد، وتعلق يد وتخر رجل، وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار، فيخلصون فإذا خلصوا قالوا: الحمد لله الذي نجانا منك بعد أن أراناك لقد أعطانا الله ما لم يعط أحد".

الجريدة الرسمية