كيف تصل لمرحلة «خلو البال»؟!
شاغل كل إنسان أن يخلو باله ليسعد في حياته ويقضي عمره هنيئًا لا يعكر صفوه شيء.. لكن الدكتور يوسف إدريس وضع يده على سر حالة القلق التي تسيطر على المصريين الأغنياء منهم والفقراء، فيرى أنه منذ أن تعرضت مصر لاحتلال الهكسوس وما تبعها من هجمات استعمارية على مدى التاريخ ظل المواطن يعيش تحت ضغوط الحشد والمواجهة للتصدي للعدو، وهو الأمر الذي ترك رواسب زمنية متراكمة لدى الوجدان المصري من القلق والخوف من بكرة.
ويعتبر يوسف إدريس أن حالة خلو البال لا يصل إليها الإنسان حال اطمئنانه على حاضره لأن البشر بحكم تكوينهم وتطلعاتهم لأنفسهم ولأولادهم يسعون للاطمئنان على المستقبل فهو مصدر سعادتهم في حاضرهم ولهذا يستثني فترة حكم عبد الناصر حتى 67 لأن المواطن شعر بأن الدولة تكفلت بمسكنه ومأكله ووظيفته وعلاجه وتعليمه هو وأبنائه فوصل لمرحلة خلو البال رغم ما كان في تلك الفترة من مواجهات مع العدو الخارجي لكن شعور كل فرد بأن الدولة ضمنت مستقبله وأولاده أوصله لنوع من الارتياح والاطمئنان.
فالشعب لم يشعر بكفالة الدولة بكل شئون حاضره ومستقبله كما حدث في فترة تطبيق التجربة الناصرية الاشتراكية.. لكن يوسف إدريس نفسه يقول إن هذا الشعب اكتشف بعد نكسة 67 أن هذه التجربة ليست مثالية ولن تحقق له أحلامه التي تبخرت في لحظة.. ثم دخل المواطن دوامة الانفتاح مع السادات ثم الفساد والعشوائية وإهمال الوطن في عهد مبارك ليستمر بعيدًا عن "خلو البال".
سلسلة مقالات رائعة للأديب العبقري يوسف إدريس كتبها على ما يبدو في الثمانينيات.. ولو كان على قيد الحياة الآن لاستكمل رؤيته العميقة للوجدان المصري الذي تحطم في عهد مبارك.. حتى قامت ثورة عظيمة في 25 يناير 2011 أعادت الأمل للمصريين ومنحتهم قبلة الحياة من جديد.. ثم تآمرت أجهزة الدولة العميقة على الثورة لتستمر حالة احتكار السلطة والثروة وإعادة اليأس للناس والاستسلام لواقع المواطن المصري فيه أبعد ما يكون عن "خلو البال".