رئيس التحرير
عصام كامل

عقدة الاضطهاد..البيئة الحاضنة للإرهاب في المجتمع المصري


هذا المقال يقتحم الملفات الأخطر المسكوت عنها بعيدا عن قضايا الدوندو واسترجل وإعلانات البوكسر..القصة بدأت منذ عقود والمجتمع المصري يتغذي على عقدة الاضطهاد ليشكل البيئة الخصبة لفكر التطرف والعنف، ويهدم أي أمل أو حلم قد يشكل حافزا مجتمعيا للعمل وللنجاح والإنتاج الحضاري تحت نير غياب مسئولية الفرد عن أدائه الشخصي، وأصبح المجتمع يتهم بعضه البعض أو يتهم الخارج عن إخفاقاته بل وأصبح الحقد المجتمعي أهم عقبة أمام النجاح بل أصبح أحد معوقات الاستثمار طبقا لتقارير اقتصادية.


بالطبع هناك مؤامرات دولية لأن قواعد موازين القوى الطبيعية هي أن بقاء دول العالم الثالث تحت نير الفقر والجهل والمرض تجعل على الجانب الآخر دول العالم الأول تستمتع بموارد العالم الثالث بأقل من قيمتها مقابل الاستهلاك، لتضمن استمرار الأدوار طبقا لنظام عالمي لتزداد الدول الغنية غني والفقيرة فقرا، ناهيك عن ظروف خاصة تمس مصر بموقعها الإستراتيجي وتركيبتها السكانية وموروثها الثقافي، وتواجد أسباب النجاح لديها تجعلها محط الأنظار باستمرار لضمان عدم تقدمها، ولكن في نفس الوقت عدم سقوطها كليا، لأن سقوطها له مردود سيئ على الاقتصاد العالمي...

وبكل بساطة إن المؤامرات جزء من صراع دولي مستمر لا يمكن نكرانه، ولكن تسقط فيه الدول الأضعف في اللعبة وهذا النموذج تحقق بعد الحرب العالمية الثانية، عندما شعرت الدول الاستعمارية أن الاحتلال العسكري اصبح أكثر كلفة من الاقتصادي، وليس هناك أهم من هدم القيم الإنسانية داخل المجتمعات المستهدفة.

نعود لعقدة الاضطهاد وأسبابه ألا وهي الخطاب السياسي لعقود باضطهاد الغرب لمصر وضد سيادتها، ثم الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ودعم الغرب له، ثم دعمهم لإسرائيل في حرب ٧٣ انتهاء بسيناريو تقسيم مصر إلى دويلات، والذي أسقطه الشعب المصري، أما الخطاب الديني فقد تأثر بأحداث طائفية مثل الحروب الصليبية منذ القرون الوسطي، وأحداث طائفية أخرى وعموما أنا لا أنكر وجود المؤامرة وأن كل ماسبق هو شرور ولكن يجب ألا نحيا في كنف عقدة الاضطهاد ويجب أن نتخطاها بالتسامح مع النفس وبناء المستقبل بناء على استخلاص دروس للزمان وعدم السقوط في نفس الأخطاء.

لقد عانت دول من مآسٍ أكثر وحشية مثل اليابان وألمانيا وفرنسا بل وتم كسر معنوياتها وكرامتها ولكن استطاعت هذه الدول تخطي آلامها النفسية، ولم تنكسر امام عقدة الاضطهاد أو الحقد، فاعتنت ببناء مجتمعاتها قبل اقتصادها، لأن بناء روح الفرد أهم من بناء الاقتصاد، فهو الاستثمار الأمثل وبدونه فلا معني لوجود الوطن ولا يفوتنا أن اليابان تفتقر من الموارد الطبيعية ما تملكه دول أفريقية بها مجاعات وحروب أهلية، ولكنها اليوم انتصرت لكرامتها ليس بالعنف والإرهاب وإنما بالعطاء الحضاري للبشرية، من خلال استعادة منظومة القيم الإنسانية.

وعلي مستوى الفرد نجد الشاب يلعن تعليمه وظروفه وبطالته، ويحمل المسئولية على جيل الآباء السابق له ويصب جام غضبه على الحكومة، وعلي الجانب الآخر نجد المسئول الحكومي يعلق فشله على جيل الشباب، رغم أن هذا الجيل هو نتاج من سبقوه، ولكن الكل شركاء في المسئولية، ولا شفاعة لأحد نحو بناء نجاحه الشخصي أو مشاركته في بناء وطنه.
 مثال آخر يعيشه المجتمع المصري هو المتدين المسلم أو المسيحي يعيش هذه الحالة النفسية، ويعتقد أن العالم يحاربه مما أثر على الخطاب الديني ثم أثر على حالة التماسك المجتمعي رغم أن الأديان السماوية دعت إلى التسامح والأخطر أن عدوي المرض النفسي في المجتمع ليست مستحيلة إذا لم يتم السيطرة على البيئة الحاضنة.

يسميه علماء النفس "البارانويد" وهو مرض يجعل الإنسان دائما متخذا دور الضحية، ودوما يشعر أن العالم ضده ومتعصب لأفكاره، ولا يصدق أي حقائق غير ذلك، وعدم الأخذ بالمنطق والحوار وعدم تحمله مسئولية قراراته أمام نفسه لأنه ضحية..وبالتالي تفسد حياته الشخصية تحت نير الحقد القاتل وتتسم علاقاته بالمجتمع بالعداوة ولا يستطيع الاستمتاع بحياته الشخصية وسط حالة من الكرة نحو العالم والأخطر هو انتقال العدوي، ولعل أبرز ما نواجهه هو نموذج داعش النابع من مجتمعاتنا لتدميرنا(لا أنكر دعمه من الغرب) وقبل أن يشكل خطرا على غيرنا من المجتمعات والحضارات فإنها يدمر حضارتنا.

لا يوجد جنة على الأرض، ولن يتحقق العدل على الأرض بيد الإنسان لأخيه الإنسان لذا فنحن دوما في حالات إنسانية من عدم المساواة، والإنسان المتزن هو من يحاول تخطي أزماته نفسيا، ليحقق نموذج نجاح شخصي بغض النظر عما يعيقه، فيحقق نموذج نجاح مجتمع بالتبعية من خلال تسامحه وإصلاحه مع نفسه والآخرين، ورغم أن الحضارة الغربية علمانية ولكنها لم تهمل القيم الإنسانية لتستمر منظومة العمل مصانة، لتحقق قوة وثبات الإنتاج الحضاري، بما يضمن الريادة لأوطانهم، ولكن تغذية اطفالنا في الشرق الأوسط بمشاهد العنف وفكرة الاضطهاد أصبح مدمرا، وبالطبع ما يميز المصريين أن هناك من الأسوياء نفسيا من استطاعوا أن يحافظوا على القيم الأصيلة بقدر ما.. فحفظت مصر من الانزلاق نحو تقسيم وخراب الوطن، لذا فهناك الأمل والقدوة الحقيقية داخل كل شارع وحارة مصرية، وهم الطريق للنجاة قبل تحليل علماء النفس وخبراء علم الاجتماع.

إن العلاج من خلال تكاتف الدولة وادراك الاعلام والخطاب الديني والتعليم ومؤسسات المجتمع المدني والقيادات الطبيعية للمشكلة والاعتماد على خبراء علم النفس والاجتماع، ثم التطبيق من خلال المتطوعين من هذه الكليات من خلال خطة قومية إستراتيجية لبناء القيم الإنسانية وبإدراك المريض بمرضه، ثم تقبله خطوات العلاج النفسي وبناء إرادة حقيقية للتغيير، ثم إيجاد معايير قياس التحسن من خلال برنامج زمني محدد.

العلاج من خلال مشروع قومي وليس من خلال مبادرات فردية... أوجه هذا الحديث إلى الرئيس الذي أقر في خطابه الأخير أن المصريين أصبحوا لا يصدقون بعضهم، وخاصة في تحقيق النجاح في إشارة على استحياء لتفشي أعراض البارانويد.

إن الأديان السماوية دعت للتسامح والغفران لضمان الاستواء النفسي، ولكن للأسف يجب أن نعترف اننا شعب متدين ظاهريا لذا نحتاج وقفة مع النفس لبناء ارواحنا ثم مجتمعاتنا بلا حقد أو كره وبما ينتجه من تطرف وإرهاب فيدمرنا قبل أن يؤذي غيرنا وللأسف فنحن الشرقيون نعتقد أن كل مريض نفسي مجنون أو ملبوس بالجن إنما هو مرض يصيب الإنسان ويشفي منه، وله درجات مختلفة هكذا يواجه الغرب مشكلاته النفسية ويجب أن ندرك أن معركة بناء القيم هي التحدي الحقيقي أمام مصر في العقد القادم لتعود منارة الإنتاج الحضاري.

الجريدة الرسمية