رئيس التحرير
عصام كامل

المصالحة مع من..؟


كَثُرَ الحديث عن المبادرات التي تُنادي بها بعض الكيانات ويشير إليها ائتلاف دعم مصر؛ لإجراء مصالحة؛ لإدخال الإخوان داخل أوراق اللعبة السياسية مرة أخرى، وأتساءل: المصالحة مع من؟ مع جماعة هــددت مصر جغرافيًّا وتاريخيًّا عندما هدفت إلى تقسيم الوطن، وتهديد الأمن القومى، وهدم تاريخ الدولة الوطنية، أم المصالحة مع أصحاب الحوادث الإرهابية الإجرامية؟ التي راح ضحيتها خيــرة شباب وجنود مصر، أم المصالحة مع جماعة إرهابية؟ حرقت دور العبادة متمثلة في الكنائس في مشهد يُندى له الجبين وتعتصر له القلوب في خطة جهنمية ليلجأ الأقباط لطلب الحماية الخارجية؛ وكانت الصدمة للإخوان عندما رفض أقباط مصر بكل قوة التآمر على وطنهم وعارضوا أي شكل من أشكال التدخل، وآثروا حرق كنائسهم على حرق وطنهم.


أم نتصالح مع الإرهاب الذي ما زال يهدد أمن الوطن والذي ضرب الاقتصاد المصرى متمثلًا في القطاع السياحى والذي كان يمثل المصدر الثانى للدخل القومى المصرى بعد قناة السويس والمسئول عن ضخ العملات الأجنبية إلى السوق المصرى ؟ هل نتصالح مع جماعة إرهابية حاولت تفتيت الوطن وزعزعة استقرار المنطقة على يد الإخوان وبأنياب جماعة إرهابية لا ضمير لها ولا وازع من دين وأخلاق، هل نتصالح مع جماعة حرقت الوطن وهددت مؤسسات الدولة بالانهيار؟

أتعجب لأصحاب هذه المبادرات التي تسعى لإعادة الإخوان متجاهلين إرادة الشعب الذي خرج بالملايين في 30 يونيو لرفض هذا النظام الفاشي في منظر أبهر كل العالم بكلمة واحدة "ارحل" لإسقاط أيديولوجية تجاوزت حدود الوطن، بل جعل من حريته منبرًا لاختيار الوطن الذي يعلو كل اختيار معطيًّا مشهدًا عالميًّا يمثل تجديدًا في فكر الشعب المصرى الذي يجمع بين أصالة التاريخ وبين وعيه بخطورة الجماعة الإرهابية على الهوية المصرية مقررًا أن يحصل على حريته بإرادة شعبية تحمى هذا الوطن من الخيانة العظمى، ومن الأفكار الزائفة التي تمثل نوعًا من إرهاب خفافيش الظلام، وبعد كل هذه الملحمة الوطنية تخرج علينا بعض القيادات من داخل البرلمان بفكرة "المصالحة" مع من لطخوا يديهم بدماء أبناء الشعب وقوات الجيش والشرطة، هذه محاولة كخنجر مسموم لكسر الوطن مرة أخرى ولكسر الوحدة الوطنية، وجواز مــرور لإرهاب أسود قاتل يأخذ مشروعية للتسلل إلى المشهد وإلى مصر ليخلط طريق النور بطريق الظلام ونعود للمربع الأول من جديد.

هل سألت هذه الأصوات التي تنادي بالمصالحة الشعب المصري صاحب الثورة عما ينادون به؟ ومن أعطى لهم توكيلًا للحديث عن الإرادة الشعبية؟ يخطئ من يظن أن أي تنظيم أو برلمان أو فصيل يمكنه أن يتحكم في الشعب المصرى دون اختيار، ويخطئ من يظن استغلال حقوق أي مواطن في التعبير عن رأيه دون الرجوع إليه، وليصمت جميع المنتفعين من صغار النفوس ومن ماتت فيهم ضمائرهم عن نشرهم مبادرة ظلامية تعود بنا إلى الوراء، فمصر فوق الجميــع والمحافظــة على وطننا دين في أعناقنا، فلا جماعة تعلو فوق الجماعة الوطنية.
الجريدة الرسمية